أليس ما يجري الآن في المنطقة يفضي إلى مثل هذه النتيجة؟!
أليس استقواء حزب الله بقوته العسكرية الفائضة على مؤسسات الدولة اللبنانية وتعطيل فاعليتها ومن ثم التلويح بانتصاراته الدنكوشوتية دليل على قصر نظره في فهمه لفكرة المقاومة والصمود والانتصار؟! ودليل آخر على أن العمى الإيديولوجي يفضي بالمرء إلى عزله عن واقعه تماما ؟!
عندما تستمع إلى الإعلام التابع للمحور المقاوم من صحف وقنوات ومحللين وصحفيين ، وإلى خطابات مسؤوليه ترى إليهم وكأنهم يخطبون في ساحات الوغى، أغلبه كلام إنشائي ، ضجيج ووعيد، وترقب بانتصار رباني ممزوج بطهرانية أخلاقية. ولا يعدم أن نجد منهم من تنزل فكرة المقاومة عنده منزلة العقيدة التي يستمدها من موروثه، فنراه صادقا معها حد التماهي، ومن ثم التضحية بكل شيء في سبيل تحقيقها.
وهناك فئة من هؤلاء إما أنهم مرتبطون بمراكز مدعومة ماليا من هذا المحور، أو إما أنهم مستفيدون من مواقعهم كمحليين أو إعلاميين قد يبدو الدعم والاستفادة – حتى لا يخرج علينا شخص يتذاكى ويقول كذلك هناك بالمقابل أشخاص نفس العينة – أمر طبيعي في ظل الاستقطاب والصراعات الدائرة.
لكن ثمة فرق بين خطابات تخدر العقول وتشوه المنطق السياسي ولا تقول سوى تضليل متابعيها وتعميتهم بالشعارات الرنانة ، وبين تحليل الوقائع وتناولها بعقلانية.
حين ظهر «نعيم قاسم» بعد الضربات المتلاحقة التي قضت على أغلب رجالات الصف الأول من الحزب بمن فيهم أمينه العام حسن نصرالله، كان من الطبيعي في مثل هذه الحالات من الهزائم المتلاحقة أن يتخذ قادة حزب الله قرارات شجاعة تنم عن حكمة وسياسة هادئة ويعلنوا اعتذارهم للشعب اللبناني عن موقفهم الخاطئ حول أشياء كثيرة أهمها مقولة «وحدة الساحات» وتعطيلهم للمؤسسة الدستورية، وأيضا مراجعة علاقتهم بالإيديولوجية الإيرانية المتمثلة بولاية الفقيه.
لكن بدلا من ذلك كان خطاب نعيم قاسم استعادة للنغمة ذاتها عن الصمود والانتصار، وكأن مقتل حسن نصرالله لا يشكل زلزالا ضرب الحزب من العمق، لما يمثله شخصه من قداسة وكاريزما ليس لبيئته فقط ، وإنما لأغلب اللبنانيين المؤمنين بفكرته، ولم يتعلم الحزب من تلك التجارب التي جاد بها التاريخ.
ظلت الصين على سبيل المثال تنظر لليابان على أنها قدوة ينبغي الاقتداء بها والتصالح معها والاستفادة منها منذ إصلاحات ميجي بداية من منتصف القرن التاسع عشر الميلادية التي أبهرت العالم، رغم المذابح والاحتلال والذل الذي مارسه اليابانيون ضد السكان الصينيين . لكن الصين في سبيل نهوضها للمستقبل تناست تلك المآسي ومضت للأمام، اليابان أيضا عندما استسلمت في الحرب العالمية الثانية بعد القنبلتين الذريتين كانت جيوشها لا زالت تحتل جزءا من الصين وكانت قادرة على الصمود، لكنها فضلت الانسحاب ونظرت للأمر بواقعية وبموقف جذري.
@MohammedAlHerz3