ومن هنا نادت المؤسسات المعنية بالأسرة وبناءها بضرورة وأهمية دراسة تلك الظاهرة لأثرها الفادح على المدى القريب والبعيد .
ومع تميز جيل الألفية التقني ومتابعته الدقيقة للمتغيرات والتطورات والتكيف معها، ومحاولاته المستمرة في إيجاد بيئة تقنية تفاعلية بديلاً عن المحيط الأسُري المفقود ليتيح له التواصل مع الآخرين بغض النظر عن معتقداتهم وأفكارهم وآرائهم، والبحث عن نوافذ رقمية لتقديم الاستشارات لهم، وإيجاد مساحة تفاعلية لطرح الهموم والغموم من جانب، وجلب السعادة والانشراح من جانب آخر، وهنا يكمن مصدر الخطر العظيم على الفرد والمجتمع!
ولذا، يجدر الآباء والأمهات إدراك تلك المعضلات المهلكات، والالتفات لأبنائهم وبناتهم، فهم رأس مالهم وامتداد أثرهم بعد رحليهم، وأمانة لديهم سيسألون عنها يوم القيامة أحفظوا أم ضيعوا؟ ولا يتحقق ذلك إلا بالعمل الجاد على تقليص الفجوة بينهم وبين الأبناء، كما أن فهم المرحلة الزمنية التي يعيشها الأبناء بمتغيراتها المتعددة وفق مبدأ تعزيز المناعة الوقائية والرقابة الذاتية، وتشجيع مهارات التفكير الناقد والتمييز بين الحسن والقبيح، والتعامل وفق قاعدة الأخذ بأقل الضررين وتعظيم المصالح برؤية منطقية قائمة على الإقناع والاقتناع، لا التوجيه الوالدي الأحادي المبني على مبدأ ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد، ولا شك أن ذلك يتطلب تطوير الوالدين لقدراتهما الخطابية والتواصلية وخصوصاً في التعامل مع المراهقين والمراهقات، رغبة في زيادة مساحة التأثير على الأبناء ومنافسة المؤثرات الخارجية الأخرى؛ فبقدر امتلاك الوالدين لمهارات الإقناع والسرد القصصي الجذّاب يعظم الاستحواذ على الأبناء، وتوفير مصدر التلقي المأمون لهم، فالإنسان مجبول بفطرته على الاستماع للطرح العقلاني المحاط بالإنسانية وتقدير الذات، في جو آمن للحوار الهادف والنقاش الدافئ، ونقل تجارب ذوي الخبرة والتميز للاستفادة منها في قيادة مركب الحياة الشخصي، وقد ترجمت ذلك الكاتبة الشهيرة مايا أنجلو:» تعلمت أن الناس قد ينسوا ما تقوله لهم، وقد ينسوا ما فعلت، ولكنهم لن ينسوا أبداً كيف جعلتهم يشعرون»، وتذكر أنه بقدر ما يكون الآباء يكون الأبناء صلاحاً وفساداً، وخُلقاً والتزاماً والله من وراء القصد.
@mesfer753