التقرير يوضح نمو الإيرادات النفطية بنسبة 30% خلال الربع الثالث من العام، وهو ما يُعزى إلى التوزيعات المرتبطة بالأداء، في مقابل استمرار تراجع أسعار النفط عالميًا، هذه الزيادة تُبرز التحدي الكامن في الاعتماد على قطاع ما زال متذبذبًا، خصوصًا في ظل اتجاه المملكة نحو تنويع الاقتصاد كجزء من رؤية السعودية 2030، مما لا شك فيه، أن التوسع في الأنشطة غير النفطية، يعكس تحقيق جزء من مستهدفات الرؤية.
لكن التحدي الأكبر يكمن في مدى إمكانية استمرار هذا النمو بوتيرة سريعة تواكب التطلعات، خاصة مع تباطؤ الاقتصادات العالمية وزيادة المنافسة الإقليمية والدولية على جذب الاستثمارات غير النفطية.
وتُظهر المؤشرات الاقتصادية الأخرى بعض الإيجابيات، مثل ارتفاع مؤشر الإنفاق الاستهلاكي بنسبة 13.4% ونمو الائتمان المصرفي للقطاع الخاص بنسبة 11.7%. هذا النمو يشير إلى استعادة الثقة الاقتصادية وزيادة الإنفاق من قبل المستهلكين، مما يُعد مؤشرًا إيجابيًا، غير أن الاستمرار في دعم هذه الثقة يتطلب مزيدًا من الجهود لتعزيز الشفافية وتطوير البيئة التنظيمية.
يبقى عجز الميزانية عنصرًا يدعو للتأمل، إذ تم تمويله عن طريق إصدارات الدين، ما يجعل السؤال عن مستقبل الدين العام محوريًا في ظل السياسة المالية التوسعية الحالية. ورغم أن المملكة تملك احتياطيات آمنة تمكنها من مواجهة أي صدمات مالية، إلا أن الاعتماد المستمر على الاقتراض قد يضع ضغوطًا إذا لم تترافق هذه الديون مع عوائد اقتصادية تضمن استدامة المالية العامة.
وفي سياق آخر، تظل الأولوية موجهة نحو تطوير قطاعات الصحة والتعليم. فقد بلغ الإنفاق على قطاع الصحة والتنمية الاجتماعية حتى الربع الثالث 201 مليار ريال، وعلى التعليم 151.1 مليار ريال، وهي استثمارات تعكس رؤية طويلة الأمد تهدف إلى تحسين جودة الحياة وفق الرؤية السعودية 2030، لكنّ التساؤل هنا يكمن في مدى قدرة هذه الاستثمارات على تحقيق الأثر المنشود بسرعة، خاصة في ظل محدودية الموارد وضغوط الإنفاق المتزايدة على مشاريع البنية التحتية.
ختامًا، يعكس التقرير الربعي الثالث صورة مشرقة لنمو الاقتصاد السعودي وجهودا حثيثة لدفع عجلة التنمية وتحقيق التوازن بين الطموح والاستدامة. ومع ذلك، فإن التحديات القائمة تتطلب سياسات مالية أكثر مرونة، وتطوير قدرات القطاع الخاص، والاستمرار في إصلاح النظام الضريبي لتأمين إيرادات غير نفطية دائمة.
رؤية 2030 تُعدّ خريطة طموحة، وما يظهر من هذه التقارير يعكس أن السعودية قادرة على مواجهة الصعاب، لكنها أيضًا بحاجة إلى أن تضع استدامة النمو كأولوية رئيسية على المدى الطويل.
@DrLalibrahim