وفي المقابل قد لا يستطيع الإنسان التحدث حتى إلى شخص مقرب في بعض التفاصيل الدقيقة والخاصة جدا، وهذا أمر طبيعي، فالحياء لا يأتي إلا بخير. ولكن ماذا الذي تغير فينا بعد غزو وسائل التواصل الاجتماعي لكل بيت ونفس؟! الذي التغير هو أن بعضا من المشاهير صار يشارك «يفضفض» عن أسراره الخاصة جدا أو الأسرية إلى المتابعين، وأصبح العالم كله يعرف ماذا حدث؟ والمشكلة أن مثل هؤلاء أصبحوا قدوة للبعض حيث يستشهدون بأفعالهم وأقوالهم!! والأسوأ، أنه مع مرور الوقت وتكرار مثل هذه الأحاديث الخاصة للناس تستسيغه النفوس، ويصبح أمرا عاديا.
والمسألة الأخرى أن بعضا من هؤلاء أصبحوا يستشيرون ويسألون المتابعين عن قرارات شخصية وأسرية؟ مثل: قرار إنجاب الأطفال أو قرار انفصال الأزواج، أو مقاطعة الأقرباء والرحم وغيرها، وهذه نقطة خطيرة حين نريد قرارات مصيرية على المستوى الشخصي أو الأسري دون الرجوع إلى أهل الاستشارة أو المختصين، فقد أصبحت المسألة كأنها تصويت الأغلبية من قبل المتابعين! وهذا خطأ جسيم، فكل شخص له تفاصيل وظروف مختلفة عن الآخر.
وأضف إلى ما سبق، أن مثل هذه التصرفات قد يترتب عليها مفاسد أكبر كهدم أسرة، وتشتت أطفال، وتدمير مستقبل أشخاص بنو قراراتهم متأثرين برأي الجمهور. ورأي الجمهور «المتابعين» في الغالب عاطفي ومتسرع، ولا يملك كل التفاصيل الدقيقة التي نحتاجها في اتخاذ القرار المناسب. ومثل هذه المسائل لا يصلح لها إلا القرار المتأني، مع استشارة رجل حكيم ومكيث.
وبالإضافة أننا إذا كنا سنشارك معظم التفاصيل حياتنا الخاصة مع العامة، فهذا يعرض أنفسنا وأسرنا وأطفالنا وبيوتنا للمخاطر الأمنية، فليس كل المتابعين «قلبه أبيض» ويحب الخير للناس! فهناك الحاقد والحاسد والمتربص والمجرم والمحتال، وغيرهم كثير.
ويجدر التنويه إلى أن الخصوصية له حسنات كثيرة منها أنه قد جاء في الأثر: «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود»، ومنها أنه حين نتحدث إلى المقربين منا فقط عن أمورنا الخاصة نشعرهم بأهميتهم لنا دون غيرهم.
ولابد من التفريق بين قوله سبحانه وتعالى: «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ» والحديث النبوي الشريف: «إنَّ اللهَ تعالى إذا أنعَم على عبدٍ نعمةً، يحبُّ أن يرى أثرَ النِّعمةِ عليه» وبين التفاخر «المهايط» على كل صغيرة وكبيرة، وكل شاردة وواردة من أجل زيادة المتابعين! وبالمناسبة كثرة التفاخر هي بذرة في طريق الكِبْر، وباب للرياء الخفي! ويضاف إلى ذلك، علينا مراعاة مشاعر الملايين من الناس حول العالم الذين لا يجدون مسكنا، ولا مأكلا، ولا مشربا، والمعيار هو: كلوا واشربوا ولا تسرفوا. وللمعلومية، فقد ورد عن الحسن بن علي - رضي الله عنهما – أنه قال: إذا أصبت خيرا، أو عملت خيرا، فحدث به الثقة من إخوانك. فهل كل المتابعين والمشاهدين حول العالم ثقة؟!
وأعتقد أن هاجس مفاجأة المتابعين كل يوم بكل جديد، يقودنا إلى الوقوع في أخطاء كثيرة في سبيل البحث عن الإثارة والأضواء، ولفت الانتباه، وهذا أيضا يجعلنا نسير من حيث لا نشعر خلف مبدأ مكيافيلي القائل: «الغاية تبرر الوسيلة»، وهو شر مبدأ ومطية!
@abdullaghannam