ويؤكد ذلك الكاتب الأمريكي جوزيف أوين من خلال كتابه الشهير القوة العالمية والذي أوضح أن الثقافة الغربية بمكوناتها القيمية والسلوكية ومظاهرها الفنية وأدبها ومؤسساتها التعليمية ومأكولاتها كالبيتزا وغيرها تسللت إلى الشرق العربي وأصبحت كجزء أساسي من حياة المواطن الشرقي. وذكر أن من أبرز وسائل التأثير والقوة الناعمة وسائل الإعلام، فعلى سبيل المثال يؤكد ناي بأن جدار برلين الذي هُدم1989م سبق هدمه معنوياً عبر وسائل الإعلام المتنوعة قبل هدمه في الواقع والحقيقة. ومن الأمثلة على ذلك ما حدث في اليابان عِقب الحرب العالمية الثانية وهزيمتها الشهيرة والتي انعكست على سمعة المواطن الياباني في الولايات المتحدة الأمريكية، ونتيجة لذلك أدرك القادة اليابانيون ضرورة استخدام القوة الناعمة في تحسين الصورة الذهنية عّن المواطن الياباني، فقامت الحكومة بشراء العديد من المؤسسات الإعلامية لإنتاج المئات من الأفلام الكرتونية لمخاطبة عقول الأطفال الأمريكان للترويج للثقافة اليابانية وتحسين صورة الشخصية اليابانية بصورة مميزة وقيادية جذّابة.
وفي هذا السياق، ومع استضافة المملكة العربية السعودية لعدد من الأحداث والفعاليات العالمية المتنوعة، وازدياد أعداد الطلاب الدوليين بجامعاتنا الحكومية والأهلية تعظم المسؤولية على المجتمع بكافة أطيافه الثقافية ومراحله العمرية والتعليمية في ترويج القيم والثقافة السعودية للعالم الخارجي بأساليب تسويقية احترافية، ولكن أين برامج رعايتهم والعناية بإعدادهم كسفراء لبلادنا عندما يعودوا إلى بلدانهم مرة أخرى؟ أين برامج الرعاية اللاحقة والدعم لهم والمحافظة عليهم كحلفاء لبلادنا؟ وفي المقابل نلحظ اهتمام وزارة التعليم بإرسال الآلاف المبتعثين والمبتعثات لدول العالم، ولكن هل تم إعدادهم كسفراء لوطنهم وتمثيل ثقافته وقيمه والدفاع عنه من خلال برامج فعلية عملية؟!، وكذلك البعثات التدريبية من مختلف مؤسسات الدولة لدول العالم، والذي يدعو للتساؤل هل تم إعدادهم وفق خطة وطنية لتسويق قيمنا وثقافتنا، لا سيما وأن الرؤية الوطنية ٢٠٣٠م أكدت على ذلك في محاورها وأهدافها الاستراتيجية.
وها نحن اليوم نملك مقومات ومرتكزات نوعية وفريدة تتمثل في الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، والفهم الصحيح للإسلام، وكذلك التاريخ والحضارة الضاربة في أعماق التاريخ، والقيم المجتمعية العربية الأصيلة؛ إلا أننا بحاجة ماسة للعناية بصناعة العنصر البشري لدوره المهم في التسويق والترويج لثقافتنا وقيمنا، فهم بمثابة المعارض المتجولة بدول العالم لعرض محاسن الاسلام ومعالم الثقافة العربية وقيمها بأسلوب عصري جذّاب ، والقادم أجمل - بإذن الله تعالى - .
* جامعة الملك خالد
@mesfer753