إن الاحتراق الوظيفي للممارسين الصحيين لا يعد مجرد مشكلة فردية، بل هو مؤشر لبيئة العمل وصحتها النفسية ومدى استدامتها.
تجاهل هذه المشكلة يمكن أن يؤدي إلى آثار اقتصادية جسيمة، لا سيما إذا ما انعكس ذلك في ظاهرة هجرة الكفاءات الطبية الوطنية، إذ قد يلجأ هؤلاء إلى البحث عن بيئات عمل توفر لهم التوازن والإشباع المهني المطلوبين، كما أنه يؤثر بشكل مباشر على جودة الخدمات الصحية المقدمة، إذ أن تأثر الممارسين الصحيين يمكن أن ينعكس على مدى اهتمامهم بالمرضى وقدرتهم على تقديم أفضل الرعاية الممكنة. لذلك، فإن التصدي لهذه الظاهرة ليس خياراً بل ضرورة ملحة تفرضها جودة الرعاية الصحية.
الاحتراق الوظيفي للأطباء يمثل تحديًا إداريًا يؤثر بعمق على جودة الرعاية الصحية، وينعكس على الاقتصاد بشكل مباشر، في ظل ما تبذله الدولة من استثمارات كبيرة في تأهيل الأطباء المتخصصين، يصبح تسرّب هؤلاء الأطباء نتيجة الاحتراق الوظيفي مشكلة لا تمسّ الصحة فحسب، بل تتعداها إلى قضايا التوطين، والاستدامة الاقتصادية، وجودة الرعاية المقدمة.
أولى نتائج الاحتراق الوظيفي تتجلى في تزايد هجرة الكفاءات الطبية، حيث يبحث الأطباء عن بيئات عمل أقل ضغطًا وتوترًا وأكثر تحفيزا، هذا الوضع لا يؤدي إلى فقدان كفاءات مؤهلة فقط، بل يكلف النظام الصحي مبالغ إضافية لجذب وتدريب أطباء جدد، تبرز هنا مشكلة اقتصادية واضحة: الدولة أنفقت ملايين الريالات على تدريب وتأهيل هؤلاء الأطباء، وعند خروجهم من العمل الإكلينيكي، تضيع هذه الاستثمارات وتتأثر جهود التوطين.
تظهر الإحصاءات أن استبدال الأطباء المتخصصين يؤدي إلى تراجع ملحوظ في جودة الرعاية الصحية، إذ يترتب على ذلك زيادة العبء على زملائهم الذين يبقون في النظام، مما يفاقم الاحتراق الوظيفي لديهم أيضًا فيزداد احتمال وقوع أخطاء طبية، ويتأثر وقت استجابة الطاقم، وهو ما يضر بجودة الخدمة الصحية وسمعة المنشآت الطبية على المدى البعيد.
كحلول سريعة، تعتمد بعض المؤسسات على زيادة الضغط على الأطباء المتبقين لتغطية النقص، وهي استراتيجية تحمل تأثيرات سلبية كبيرة؛ إذ تساهم في خلق دورة مستمرة من الاحتراق الوظيفي، مما يزيد من تسرب الأطباء ويؤدي إلى نقص أكبر في الموارد البشرية، بدلاً من هذه الحلول المؤقتة، ينبغي تبني استراتيجيات أكثر استدامة، مثل توفير فريق دعم متعدد التخصصات يُعين الطبيب في أداء مهامه، إضافة إلى تحسين بيئة العمل ورفع مستوى مشاركة الأطباء في صنع القرار.
التصدي لظاهرة الاحتراق الوظيفي يتطلب استراتيجيات متعددة الجوانب، منها نهج «العيادة الإدارية» لتحليل وفهم أسباب الاحتراق الوظيفي، مما يسهم في وضع حلول فعّالة، حيث يُستثمر في بناء ثقافة مؤسسية تُقدّر الأطباء وتشركهم في القرارات، مع توفير الأدوات اللازمة لأداء مهامهم بفعالية.
تعزيز الدعم النفسي للممارسين الصحيين وتوفير بيئات عمل مرنة تساعد على تحقيق التوازن بين الحياة المهنية والشخصية، كما أن الاعتراف بمجهوداتهم وتقديرها من خلال برامج تحفيزية قد يسهم في تقليل التوتر النفسي المترتب على ضغوط العمل.
يجب أن يكون الاهتمام برفاهية الممارسين الصحيين وسيلة للحفاظ على تلك الإنجازات، فمن خلال تحسين بيئة العمل يمكن ليس فقط الحد من ظاهرة الاحتراق الوظيفي، بل أيضًا تعزيز الاستقرار الوظيفي واستدامة الكفاءات الوطنية وتحقيق رؤية السعودية في تقديم خدمات صحية على مستوى عالمي.