فقد أصبح حضور الذهن أمر بالغ الصعوبة مع تعقيدات الحياة والتطورات الهائلة في المجال التقني، حيث تتلاشى متعة لحظتنا الراهنة بسبب ارتباط عقولنا بأفكار خارجة عن اللحظة الراهنة وغالبا ما تكون في المستقبل القريب أو البعيد، فقد نتواجد في حديقة غناء دون أن نستمتع بجمالها، وقد نجلس بأجسادنا مع من نحب، ولكن عقولنا في مكان آخر، وعندما نحافظ على يقظتنا وننوي تطوير حالة الحضور في ممارساتنا، ونحرس ما يحدث في اللحظة الراهنة، سنتمكن من الاتصال بأفكارنا ومشاعرنا وما يحدث داخل أجسادنا بشكل أعمق، ويمنحنا فرصة لاستعادة السلام الداخلي، ونمضي يومنا ببطء منتبهين ومستمتعين بكل لحظة كما لو كانت الأمور تحدث للمرة الأولى.
أما عندما نخسر هدوء لحظتنا، سنميل للعمل بشكل تلقائي ودون تفكير، ونجد صعوبة في التركيز على المهمة التي بين أيدينا، فكل شيءٍ يسير بسرعة كبيرة في عالمنا الحالي، وعلينا أن نصمد كل يوم بقوة للحفاظ على مكاننا، فالسرعة لم تعد مجرد عادة، بل يعتبرونها فضيلة متعلقة بالاداء الذي يعطينا مكانة مميزة، فنحن نربط بين الأشخاص الأكثر انشغالا وبين النجاح، على الرغم من أن الأمر عكس ذلك تماما، فما الفائدة من النجاح والمال إذا لم يكن لدينا وقت للاستمتاع بفنجان من الشاي بهدوء.
فالكثير من بهجة المتع الصغيرة تفوتنا ونحن نلهث وسط صخب الحياة وسرعتها، والطريقة الوحيدة لأن نكون بذهن يقظ، هي الاستمتاع قدر الإمكان بحدث الحاضر ومحاولة البقاء فيه حتى يأخذ وقته كاملا من دون أن نسمح لأفكار المستقبل أو الماضي بأن تعكر صفوه، وفن عيش اللحظة موجود في شتى تفاصيل حياتنا اليومية ومن أسرع الممارسات لتحقيق ذلك، التركيز على التنفس العميق، إذ يساعدنا هذا على تهدئة العقل وتوجيه الإنتباه إلى اللحظة الحالية أو ممارسة التأمل ولو لخمسة دقائق، كذلك يمكننا تفعيل الحواس بشكل واعٍ، كالتركيز على ما نراه أو نسمعه أو نلمسه، مما يعيدنا إلى عمق اللحظة الحالية.
وبمجرد أن نتوقف عن الركض وراء المستقبل أو الهروب من الماضي، نكتشف أن السلام الداخلي موجود هنا، في اللحظة التي بين أيدينا، إنها رحلة تتطلب التدريب والصبر، ولكنها تمنحنا في المقابل حرية العيش بوعي ورضا.
LamaAlghalayini@