ومثل المكان الإنسان الذي يتسبب في إعاقتك عن المعالي أو اشغالك لست ملزماً بصداقته، والوفاء لمن لا يستحق قد يكون ضعفاً أو سذاجة.
لقد قال الإمام الشافعي رحمه الله:
تَغَرَّب عَنِ الأَوطانِ في طَلَبِ العُلا.. وَسافِر فَفي الأَسفارِ خَمسُ فَوائِدِ
تَفَرُّجُ هَمٍّ وَاِكتِسابُ مَعيشَةٍ.. وَعِلمٌ وَآدابٌ وَصُحبَةُ ماجِدِ
عندما نقرأ سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم نجد أنه لم يرض لأصحابه أن يقيموا في أرض قومهم وهم يواجهون المنع والظلم، فعندما رأى المشركون أن الناس تدخل في دين الله زادوا الحرب والتعذيب، لقد كانت الحالة في السنة الخامسة من النبوة لا تكاد تطاق، فنزلت سورة الزمر تعلن «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب».
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم أن أصْحَمَة النجاشى ملك الحبشة ملك عادل، لا يظلم عنده أحد، فأمر المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة فرارًا بدينهم من الفتن، وفي رجب سنة خمس من النبوة هاجر أول فوج من الصحابة إلى الحبشة، كان مكونًا من اثنى عشر رجلًا وأربع نسوة، رئيسهم عثمان بن عفان، ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهما: « إنهما أول بيت هاجر في سبيل الله بعد إبراهيم ولوط عليهما السلام»
كان رحيل هؤلاء تسللًا في ظلمة الليل ـ حتى لا تفطن لهم قريش ـ خرجوا إلى البحر ويمموا ميناء الشعيبة، وقيضت لهم الأقدار سفينتين تجاريتين أبحرتا بهم إلى الحبشة، وفطنت لهم قريش، فخرجت في آثارهم، لكن لما بلغت إلى الشاطئ كانوا قد انطلقوا آمنين، وأقام المسلمون في الحبشة في أحسن جوار، وكانت عزاً وفرصة لهم ولغيرهم، وكانت أيضاً هناك هجرة ثانية كان قوامها اثنان أو ثلاثة وثمانون رجلاً وثمان عشرة امرأة.
إذن لا تكن أسيراً لمكان ولا لإنسان.
@shlash2020