وبلغت الأزمة ذروتها صباح اليوم عندما صرّح الكرملين أن "أي اعتداء على روسيا من دولة غير نووية بمشاركة دولة نووية سيُعتبر هجوماً مشتركاً."
وبعد ذلك بفترة قصيرة، أفادت تقارير إخبارية بأن أوكرانيا نفذت أول ضربة بصواريخ (أتاكمز) داخل الأراضي الروسية، ما أدى إلى زيادة الطلب على الملاذات الآمنة، مثل الذهب والفضة، إضافة إلى الين الياباني، الفرنك السويسري، وسندات الخزانة قصيرة الأجل.
موجة ارتفاع
كانت المعادن الثمينة، الذهب والفضة، قد شهدت موجة ارتفاع قوية قبل الانتخابات الأمريكية، لكنها تعرضت لضغوط كبيرة بعد ارتفاع متزامن في الدولار الأمريكي وعوائد السندات، ما أدى إلى كسر مستويات دعم فنية هامة.وأثّر هذا الانخفاض بشكل كبير على السوق، حيث احتفظت صناديق التحوط بمراكز طويلة مرتفعة لعدة أشهر، خصوصاً في الذهب. ومع ذلك، لا يرى سبباً لتغيير النظرة الإيجابية للمعادن الاستثمارية.
وعلى الرغم من أن الانخفاض الأخير في الذهب بمقدار 253 دولاراً كان الأسوأ منذ أكثر من عام، إلا أن يجب النظر إليه في سياق الارتفاع الكبير الذي سبقه.
استجابة صحية
ومن هذا المنطلق، يعد التصحيح استجابة صحية لأسابيع من الشراء الذي ركز على الانتخابات، والذي أدى في بعض الحالات إلى تراجع الطلب من المشترين الفعليين الذين تجنبوا المساهمة في زيادة الأسعار بشكل أكبر.ومن المرجح أن يستمر وضع الدين الأمريكي في التدهور مع زيادة إدارة ترامب للإنفاق غير الممول على التخفيضات الضريبية والبنية التحتية والدفاع.
وبالإضافة إلى استمرار الطلب من البنوك المركزية التي تسعى إلى التخلص من احتياطاتها من الدولار، كما ستسهم الرسوم الجمركية في زيادة المخاوف بشأن التضخم، الأمر الذي من شأنه أن يعوض التباطؤ المحتمل في وتيرة وعمق تخفيضات أسعار الفائدة الأمريكية.
أما التحدي الأكبر على المدى القصير، والذي تم تخفيفه الآن، فكان يتمثل في العبء الناتج عن المراكز الطويلة التي احتفظ بها المضاربون في سوق العقود الآجلة.
دعم الدولار
ومع ذلك، وبالنظر إلى التوقعات بأن سياسات البنوك المركزية المتباينة ستدعم الدولار الأمريكي، فإن احتمال العودة الفورية لتحقيق مستويات قياسية جديدة يبدو غير مرجح، إلا إذا تدهورت الأوضاع الجيوسياسية إلى درجة تؤدي إلى تأثير سلبي على الطلب في فئات أصول أخرى، مما قد يعزز الطلب على الأصول الآمنة المذكورة آنفاً.4 عوامل
وتوجد أربعة عوامل أثرت في التطورات الأخيرة: أولها: أن الذهب شهد تصحيحاً خلال فترة تراجع التوقعات بشأن عدد تخفيضات الفائدة الأمريكية بمقدار 25 نقطة أساس بحلول ديسمبر المقبل، بما في ذلك الثلاثة التي تم تنفيذها بالفعل، من عشر تخفيضات إلى حوالي ثلاث فقط. رغم هذا التراجع الكبير، كان تأثيره النسبي صغيراً، مما يبرز وجود أسباب أخرى تدعم النظرة الإيجابية الصعودية.أما العامل الثاني، فقد انخفض صافي المراكز الطويلة للأموال المدارة في عقود الذهب الآجلة (COMEX) بعد ثلاثة أسابيع من صافي البيع، بمقدار 40,000 عقد ليصل إلى أدنى مستوى له خلال ثلاثة أشهر عند 197,000 عقد.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن أقل من 1,000 عقد من هذا التغيير كان نتيجة بيع جديد على المكشوف. بمعنى آخر، في حين أن انخفاض الأسعار دفع إلى تصفية المراكز الطويلة، لم يجذب الضعف اهتماماً جديداً للبيع على المكشوف. كما شهدت الحيازات في الصناديق المتداولة المدعومة بالذهب انخفاضاً أيضاً وسط توقعات بتخفيضات أقل في الفائدة، مما أبقى تكلفة التمويل مرتفعة نسبياً.
أما العامل الثالث، فقد شكل الارتفاع المستمر في مؤشر بلومبرغ للدولار إلى أعلى مستوى له في عامين الدافع الرئيسي للتصحيح الذي شهده كل من الذهب والفضة، إذ عانت الفضة من انتكاسة أكبر نسبياً نتيجة تراجع المعادن الصناعية الناجم عن المخاوف المتعلقة بالطلب بسبب الرسوم الجمركية.
وساعد الجمع بين احتفاظ مستويات الدعم الرئيسية وصعود الدولار الهادئ في تعزيز الانتعاش، الذي زادت قوته بفعل المخاوف الجيوسياسية المذكورة سابقاً.
وكان ارتفاع عوائد السندات سبباً آخر لبيع المعادن الثمينة. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الضعف كان مدفوعاً بمخاوف بشأن عجز مالي أكبر، مما يؤدي إلى عبء ديون أكبر في عصر ترامب 2.0.
وبحسب التقرير الصادر عن "ساكسو بنك"، تواجه الولايات المتحدة تحدياً مالياً كبيراً بسبب مدفوعات الفائدة على ديونها الوطنية، مع توقع أن تصل إلى حوالي 1.16 تريليون دولار خلال السنة المالية بأكملها، بزيادة قدرها 30% عن العام السابق. سيؤدي الجمع بين العوائد المرتفعة والديون المتزايدة إلى تفاقم الوضع، مما يزيد من احتمالية أداء الذهب بشكل جيد رغم ارتفاع العوائد.