انتقل الى رحمة الله تعالى الثلاثاء الماضي الأستاذ الفنان احمد راضي السبت (مولود في الأحساء 1944). للفنان السبت دور في مسيرة الفن التشكيلي بالأحساء فمبكرا كان حضوره وتأثيره ومشاركاته الفنية ابتداء بمعارض مكتب الرئاسة العامة لرعاية الشباب في الدمام والأحساء وجمعية الثقافة والفنون بالأحساء التي عمل لسنوات نائبا لمديرها فعندما كان مسئولا فيها كان مكتبه هو مرسمه، وبعد انتهاء فترة الدوام تكون أدواته الفنية جاهزة وفي مكتبه كنائب لمدير الفرع يستكمل ليله بالرسم، كان يطلع عليه الفجر أحيانا وهو يقرأ او يرسم. التأني سمة، وصفة لدى أحمد السبت، لذا فهو يفكر في عمله أكثر من فترة إنجازه، كانت اللوحة لديه تأخذ وقتها وإن طال. كانت مشاركاته في العشرة أعوام الأخيرة متواصلة في نشاطات تقيمها بعض الجهات الخاصة والمهرجانات في الاحساء، ولم يكن يعترض على أية دعوة يرى فيها دعما وتشجيعا للشباب، وكان كريما في نصحه وتوجيهاته. يستعرض أعماله الفنية في أي مناسبة يدعى لها، وفي ملتقى الفنان محمد الحمد كان يُحضر ما يستطيع من أعماله الأحدث وكنا نناقشها ويتقبل الآراء ويدافع عن أفكاره ووجهة نظره بحب. كما استعرض أعماله في أكثر من لقاء عندما كنت أستضيف زملائي الفنانين في ملتقى الاربعائية بمرسمي بالدمام. عرفت الفنان احمد السبت متعلقا بالفن وممارسته فشكل حضورا متواصلا منذ السبعينيات في معارض داخل المنطقة الشرقية وخارجها، كانت مشاركاته في معارض الرئاسة العامة لرعاية الشاب مبكرة ومنذ 1400 عندما مثلنا سوية المنطقة الشرقية في معرض المناطق بجدة، ثم في معرض نظمته جمعية الثقافة والفنون بجدة عام 1983. اقام له فرع الجمعية بالأحساء معرضا خاصا، وكان حينها سعيدا بهذه المبادرة التي يرى فيها تقديرا وتكريما، بل وكرمه فيما بعد معهد مسك للفنون كأحد رواد الفن السعودي عام 2019.
منطلقاته المبكرة كانت مع نادي الجيل الذي مثله في معارض تنظمها الرئاسة العامة لرعاية الشباب ومكتبها في الاحساء، بجانب مشاركاته في معارض الجمعية. تتجه أعماله المبكرة إلى الإنسان والمكان والى الزرع وكائنات حية كالأسماك والطيور وبعض الحيوانات كالجمال. أعماله لا تخلو من شاعرية نلمسها في معالجاته اللونية المتناغمة وخطوطه اللينة الحالمة، الأزرق بكل صفائه والاخضر في نشوته ونمائه والاصفر في اشعاعه. في لوحته كل الألوان الموحية بحياة وفرح وتفاؤل. انفتح على تيارات الفن واستفاد منها ولم يتبع في أعماله سوى ما يعبر عن فكرته في علاقة الإنسان بالطبيعة والكون والمخلوقات الأليفة التي كانت قريبة منه. وجه فتاة حالمة تحفه الورود، او امرأة تحمل ماعزا او طيرا. او امرأتان تتحادثان. بيوت تتجاور لتمثل عند الفنان حكاية مستعادة من حياة عاشها ويتذكر تفاصيلها. يستعيد اماكن تراثية وحكايات وهو الذي وُصف في أحيان بالراوية، عرفنا عن السبت قدرته في التعبير الشفوي واستعادة حكايا وقصص اجتماعية وتاريخية. كان يجمعنا خلال الأعوام الأخيرة ملتقى سنوي نظمه الفنان محمد الحمد وكان وجود السبت رئيسيا، وحضوره يعني عرض بعض انتاجه الاحدث. كانت ملامح تغيير في الأداء الفني والاشتغال الذي بدا أكثر بساطة واختزالا في الشكل او اللون. يستعيد في أعماله صورا لا تخضع الا لقانون عمره وحبه للفن وممارسته. كان شغف الفنان بالرسم كبيرا، هَمُّهُ ان يرسم، مستمتعا بلون يختاره او خط يشعل عنده حرارة التعبير، او فكرة تستعيد شيئا من ماض وحياة وصفاء روح.
واصل الفنان في سنوات أخيرة شغفه الفني بالرسم اليومي والتواصل مع الآخرين من خلال حساباته في بعض مواقع التواصل الاجتماعي، موازيا ذلك مع مشاركاته في بعض المعارض او مناسبات الرسم المباشر التي تقام في الأحساء على الخصوص، وأقام معرضا شخصيا في الدمام استضافته جمعية الثقافة والفنون عام 2018. الفن في حياة السبت كان من يومياته (حضورا واطلاعا وقراءة وممارسة) ارتبطت أعماله بمكانه الاحسائي فكان ينوع في رسومه بين الاستلهام والمحاكاة والترميز، في اعماله المبكرة تأثر بدراسته الزراعية، وتعليمه مادة العلوم فكانت تحضر في بعض أعماله الطيور والاسماك والورود، والإنسان أيضا، وبشاعرية تلوينية تندمج فيها كائناته بالطبيعة والفضاء، ألوانه الزرقاء الصافية والخضراء والفواتح تبدي شغفا بالحياة وحبا للإنسان وهياما بالطبيعة، رسم الامومة والتقط من الذاكرة صور الألعاب والحركة اليومية للناس خاصة في محيطه الأصغر الحارة، وبقيت هذه الروح في أعماله التالية التي كان يرسمها وينشرها بشكل شبه يومي، معرضه في الدمام تضمن أواخر انتاجه وقدم فيه ما يمكن اعتباره (استعاديا)، حد من عدده مساحة القاعة، اما تكريمه في مسك فكان بمثابة تجديد لروحه الفنية؛ ما أعطاه مزيدا من الحيوية والممارسة الفنية شبه اليومية، في زيارة له قبل جائحة كورونا اطلعني على الكثير من الاعمال التي يرسمها من باب حبه للرسم وحرصه على بعث مواضيع مستعادة من ذاكرته التي لا تخلو من تفاصيل أكثر وضوحا عندما يتحدث. رحم الله الفنان احمد السبت.