في سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم موقف عظيم للنجاشي ملك الحبشة، فعلى الرغم من الضغوط وحملة التشويه التي بدأت مع إرسال المشركين للداهيتين: عمرو بن العاص، وعبد الله بن ربيعة، إلى الحبشة واستمالتهم للبطارقة بالهدايا ومخاطبتهم النجاشي بكلام عاطفي مؤثر: أيها الملك، إنه قد ضوى إلى بلدك غلمان سفهاء فارقوا دينهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين ابتدعوه، لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم، فهم أعلى بهم عيناً، وأعلم بما عابوا عليهم، وعاتبوهم فيه.
إلا أن النجاشي لم يعط رداً مستعجلاً، بل دعى المسلمين وسألهم: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا به في ديني ولا دين أحد من هذه الملل؟
فتكلم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال: أيها الملك! كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل منا القوي الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده، ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد وآباؤنا من دونه، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده، لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به دين الله، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئاً، وحرمنا ما حرم الله علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا، وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان عن عبادة الله تعالى، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا، وظلمونا، وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نُظلم عندك، أيها الملك!
فلما سمع النجاشي هذا، طلب من جعفر قراءة شيء من القرآن، فقرأ عليه صدر سورة مريم، فبكى النجاشي وبكى الأساقفة، وقال: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، ثم خاطب مندوبي قريش وقال: انطلقا فلا والله لا أسلمهم إليكما، ولا يُكادون.
فكان التأكد خيرٌ للجميع.
@shlash2020