تشير الفيزياء الحديثة، وخاصةً ميكانيكا الكم، إلى أن الفراغ ليس حالة سكون تام، بل هو ميدان مليء بالنشاط الخفي ، في داخل هذا «الفراغ» تحدث تقلبات كمومية، حيث تظهر وتختفي جسيمات افتراضية في لحظات قصيرة جداً وهذه «التقلبات» تشير إلى أن الفراغ ليس عديم الجدوى، بل هو حالة نابضة بالاحتمالات غير المرئية وهذه الرؤية تعيد تعريف الفراغ، ليس كخلو مطلق، بل كساحة للتفاعل والنشاط الكوني، وكأن هذا الفراغ هو الأساس الذي قد يُولَد منه كل شيء، واحتمالات لم تتحقق بعد، يمكن القول أن الفراغ يتحول إلى مساحة للاندماج بين العدم والإمكانات الخفية. في الفلسفة، يمثل الفراغ مفهوماً عميقاً حول طبيعة الوجود واللاوجود وفي الفلسفة الشرقية، مثل الفلسفة البوذية، ينظر إلى الفراغ ليس كغياب بل كجوهر وجودي، حيث تتم رؤية الأشياء على أنها تنشأ من الفراغ وتعود إليه، على سبيل المثال، الفراغ بين الجبال أو في أعماق المحيطات لا يُعتبر حالة نقص، بل يُنظر إليه كفضاء يحمل المعنى بذاته وهذه النظرة تدعو للتفكير في أن الفراغ يحمل بذور الإبداع والتغيير.
وكأنه نقطة البداية التي يعود منها كل شيء إلى حالته الأصلية، فهو حيز مليء بالإمكانات، يتجلى فيه التناقض بين الحضور والغياب، ويتسع ليحتضن التأمل ويشكل أرضية للبحث عن الذات..! عموما الفراغ في جوهره هو الحيز الذي يمكن أن يولد منه المعنى، وكأن اللحظات التي نخلو فيها من الأشياء هي الفرصة الحقيقية لامتلاء الروح والفكر، من الناحية الأدبية، الفراغ يمثل حالة شعورية وإنسانية تتحدث عن الفراغ الداخلي، تلك اللحظة التي تسبق الإبداع وتسمح للأفكار أن تنبثق من الصمت والكاتب يجد في الفراغ ملاذاً خصباً لاستخراج كلماته، فالفراغ الأدبي هو اللحظة التي تتلاشى فيها الأفكار وتظهر فيها الكلمات كحاجة ملحة لإعادة تشكيل العالم والفراغ في الأدب هو ليس نقصاً، بل هو حيز يشجع على التجديد، إنه الشعور الذي يحفز الكاتب للبحث في أعماق ذاته وخلق نص جديد من «لا شيء»، كما افعل الآن، المساحات البيضاء بين السطور هي ما يمنح القارئ فرصة لاستكشاف النص بطريقته الخاصة، وملء الفراغ بأفكاره وتصوراته.
ختاما.. أعتقد أن الفراغ حضور غير مرئي، يحمل في طياته احتمالات لا حدود لها وإنه مساحة مليئة بالتوقعات، نقطة تلتقي فيها الوجود بالعدم، مما يجعل منه الحيز الذي يمكن أن يبدأ منه كل شيء، الفراغ ليس سلبياً، بل هو ضرورة، فهو يدفعنا نحو الإبداع، التأمل، والتساؤل عن الذات والعالم.
@malarab1
إقرأ أيضاً في: كلمة ومقال