لا بأس في أن تترك لبصيرتك العنان، وتتخيل ما الذي كان مقدرا لسوريا بطبيعتها الخلابة، وخيرات أرضها، وثقافتها الدامغة، وقدرات شعبها الإنتاجية والصناعية، والقدرة الفكرية المؤثرة لعدد ليس باليسير من الأشقاء السوريين.. وغير ذلك من المقومات التي تشكّل ثروات هائلة لأي أمّة، لو أن الحزب البعثي لم يجثم على أنفاس سوريا أكثر من 60 عاما؟
ولتقريب الفكرة عن طبيعة هذا النظام البعثي الذي حكم سوريا، أشارك معكم اليوم قصة روتها لي أسرة سعودية ونقلوا لي مشهدا عما جرى خلال زيارتهم للعاصمة السورية دمشق، حيث قررت الأسرة قضاء إجازة صيفية في العام 2003 تقريبا. وللاستمتاع بالإجازة، اتفقت الأسرة مع سائق «ميكرو»، وهي الحافلة الصغيرة التي تتسع لـ 12 شخصا، لتسهيل تنقل الأسرة من موقع لآخر.
وفي يوم من الأيام، كانت الأسرة في طريقها إلى جبل قاسيون لتمضية نهار لطيف في أجواء صيفية جبلية عليلة، فجلس الأب إلى جوار السائق، وجلس الأطفال في صف المقاعد الذي يلي السائق والأب مباشرة، فيما احتشدت باقي مكونات الأسرة في الصفين الثالث والرابع.
وفي نقطة معينة، لمح أحد الأطفال قطة كبيرة تقف على جانب الطريق، وبمنتهى العفوية قال الطفل بصوت مملوء بالدهشة: «هذا قطو ولا أسد؟».
بعد أن انطلقت هذه العبارة التعجبيّة من الطفل البرئ، جاء الإجراء المفاجئ والصادم من سائق حافلة الـ «ميكروباص»، والذي استخدم الكوابح بكل ما أوتي من قوة، ليوقف السيارة بشكل مفاجئ وعنيف.. حتى كادت السيارة أن تنقلب في تلك المنعطفات الضيقة والشاهقة الارتفاع! ومع دهشة الأب الذي ارتطم رأسه بزجاج السيارة الأمامي من شدة الفرملة، وبعد أن اطمأن على باقي الأسرة في المقاعد الخلفية، وتأكد أن الأضرار لم تتعدى استقرار بعض المواعين على رؤوس أطفاله ونحيب الأم في المقعد الأخير بسبب انقلاب بعض أغراض الرحلة على أرضية الحافلة.. بادر الأب وسأل السائق قائلا: «سلامات.. وش فيك؟»
أجاب سائق الحافلة: «الله يرضى عليك.. خلي ابنك يسكت! لا أنا ولا أنتم بدنا مشاكل!! شلون يحكي عن القط إنه أسد؟؟!! بدك تخرب بيتي؟»، فما كان من الأب إلا أن التفت لابنه وقال: «إذا شفت أي قطو يا عبدالرحمن لا تقول ولا كلمة! مفهوم؟»... والشاهد في هذه الحكاية أنه بمثل هذا النمط من الذعر كانت تعيش أمّة بأسرها على امتداد أكثر من نصف قرن، وما بقي أتركه لتقدير وخيال القارئ الكريم!
@abdullahsayel
كلمة ومقال