أن تُقتل الزهرة في لحظة كانت فيها تتفتح، تُبتر حياتها فقط لتتحول إلى «رمز» ، إلى «فكرة» نضعها فوق قبور الموتى وكأننا نقول لهم: نحن نكرمكم بالموت مثلما قتلنا هذه الزهرة. الإنسان لا يكتفي بقتل ما حوله؛ بل يُضفي على جرائمه فلسفة زائفة. يُقنع نفسه أن قطع الزهور وتقديمها هو «لفتة راقية» ، أو «تعبير سامٍ عن الحب» لكن من قال إن الحب يحتاج إلى القتل؟ من قال إن إهداء جثة زهرة، ذابلة في يدك، هو دليل على نقاء مشاعرك؟ زهور الحب ودماء الطبيعة تأمل الحبيب الذي يقطف وردة ليهديها لمحبوبته ، ألا يدرك أن الوردة كانت ستعيش عمراً أطول على فرعها، تنبض بلونها وشذاها، وتُثري العالم بجمالها الطبيعي؟ لكنه اختار قتلها، فقط ليحملها إلى يديها لبضع ساعات قبل أن تذبل وتتلاشى ، أهذه هي فكرة الحب؟ أن تأخذ ما هو جميل، تقتله، وتقدمه كـ«هدية»؟
الحب الحقيقي لا يتطلب موت أي شيء. زهور الموتى: تناقض بلا روح أما المشهد الأكثر فجاجة فهو وضع الزهور على قبور الموتى. نقف بخشوع، نحمل جثث الزهور بين أيدينا، ونضعها فوق جثث الأحبة، كأننا نقول: ها نحن نقتل الحياة في حضرة الموت ، ما هذا المنطق المقلوب؟ إذا كانت الزهور رمزاً للحياة، لماذا لا نتركها تزدهر في التربة بدل أن ننقلها ميتة إلى المقابر؟ كيف تحول التكريم إلى اغتيال رمزي للطبيعة في حضرة الحداد؟ مرضى يتلقون زهوراً مقتولة المرضى في المستشفيات أيضاً ليسوا بمنأى عن هذا الجنون. نذهب لنزورهم، نحمل لهم زهوراً قُطعت وأزهقت روحها، ونقول: «شفاءً عاجلا» فلنفعله بزرع زهرة تشهد نموها مع من نحب ، أما المرضى، فربما يحتاجون إلى هدية تحمل معنى الاستمرار، مثل نبات حيّ ينمو معهم ويذكّرهم بأن الحياة تتجدد.
قتل الزهور ليس رومانسياً ، وليس نبيلاً ، وليس حضارياً ،إنه مجرد طقس بدائي يصر البشر على ممارسته دون وعي ، فلنتوقف عن قتل الجمال باسم الحب، أو الموت، أو الشفاء. لا يُحتفل بالحياة بجثث الزهور ، لنحتفل بها بزراعتها، بنموها، وبتركها تُزهر حيث تنتمي وربما حينها نستحق أن نقول إننا نحب، دون أن نكون جناة بحق الزهور..!
@malarab1