ومن الأمثلة العالمية الرائدة في ذلك شركة - Quicken Loan - مقرض الرهن العقاري عبر الإنترنت ومقره في ديترويت والذي أسسها البليونير البارز دان جيلون والمالك لنادي كليفلاند كافالييرز وقائد الأعمال الأكثر صلة باستراتيجية العودة الاقتصادية لموتور سيتي، وتعد ثاني أكبر مقرض رهون عقارية في الولايات المتحدة، وتتمثل تجربتها في إنشاء ما يعرف بمصنع الجبن - واختيار الاسم بعفوية لتسويقه بين العاملين- لاستقبال الأفكار من مختلف أنحاء الشركة حول الكيفية التي يمكن من خلالها تحسين الخدمات والمنتجات ، ومن ثم مناقشتها مع مقدميها وفحصها وفق أولويات الشركة، ووضع خطة زمنية لتنفيذها، وقد أوضحت الشركة بأن مصنع الجبن يستقبل أكثر من 7000 فكرة وينفذ أكثر من 1000 فكرة منها. وفي المقابل لاحظت إحدى الشركات ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات استهلاك الأوراق مما أثّر على ميزانية الشركة العامة، فأطلقت استفتاء لمعالجة تلك الظاهرة؛ مما دفع أحد الأطفال أن يقدم مقترحاً ظاهره البساطة وباطنة توفير مئات ملايين الدولارات والمتمثل في تغيير نوع وحجم خط كتابة المستندات.
رحلة حياة الأفكار تختلف من شركة لأخرى، ومن مؤسسة لأخرى بناء على احتياجات كل جهة، ولكن لا بد من وجود فريق يقوم على إدارة الرحلة وتطويرها باستمرار وضمان تأمين طريق آمن للأفكار المتميزة حتى لا تفقد أو تضيع. وبخلاف ذلك تعاني الشركات من تسرب الموظفين أو إحباطهم وشيوع الأمراض العضوية والنفسية بينهم حيث تنفق الشركات الأمريكية عشرات المليارات من الدولارات سنوياً في الرعاية الصحية للموظفين لمعالجة الآثار الصحية الناتجة عن سلوك المديرين السيئين، وذلك لأن تأثير المديرين السيئين على وظائف الناس يتجاوز تأثير جائحة كورونا وكارثة تسونامي، فقد أظهرت الإحصائيات أن أكثر من مليوني أمريكي يتركون وظائفهم شهرياً لتأثير مدراءهم السيّء، وحوالي ٦٥٪ من الموظفين مستعدون للاستغناء عن الزيادة في الراتب مقابل حصولهم على مدير جيد.
ومن هنا، فبيئة المنظمة وطبيعة العاملين بها يؤثران تأثيراً كبيراً على نوعية البرامج والمبادرات التي يجب أن تتبناها لتأسيس وبناء كيانات اقتصادية ناشئة تدير أعمالها المساندة وتحقق لها الاكتفاء الذاتي. وأخيراً نجاح سير المنظمة أشبه ما تكون بالحافلة، فإذا صعد إليها الأشخاص المناسبون تتلاشى مشكلة كيفية تحفيز الأشخاص المناسبون إلى حد بعيد؛ لكونهم ليسوا بحاجة لإدارة محكمة، أو تحفيز شديد، إذا سيحرمهم دافعهم الداخلي لتحقيق أفضل النتائج، فضلاً عن حافزهم في أن يكونوا عنصراً مساهماً في صنع شيء عظيم، ولنتذكر أن إيجاد الأشخاص المناسبين والمميزين من أصعب المهمّات في رحلة نجاح المنظمة. واليوم نلحظ جمعياً أن الابتكار لم يعد يتمحور حول أشخاص يرتدون بالطوات المختبر منعزلين لمدة ستة أشهر أو سنة، خارجين من مكان سري ما بتكنولوجيا مدمرة.
@mesfer753