الألم، فتى ذو صوتٍ شجي يمثل حكاياتٍ للكثيرين ممن يعانون، وصوته صرخةٌ في وجه ما يواجهه الناس، وكانوا يتجمهرون حوله، ويتبادلون معه مشاعرهم، ويزداد صوته قوةً مع الأيام، وهذا ما أغضب الأنانية، فبعد عرض الأزياء التي تقدمه كانت تتزايد غرورًا، وأتاها الألم يومًا ليحكي لها قصة نجاحه لتصبح شخصيةً متعاونة مع الجمهور ليصبح الحال أفضل، فما كان منها إلا أن بعثرت ألسنة السخرية أمامه ما جعله أضحوكة المكان.
لجأ الألم لأمّه الشكوى، وهي المرأة المتحدثة عنه؛ وتترجم لوعة صوته إلى كلامٍ لتحكيه ليعرف الناس، ويساعدوا بعضهم، وذهبا معًا نحو الإحساس، الرجل المثقف الذي يساعد الكثيرين، وتعيش المشاعر في كنفه لتخبره بما يدور في أحوال الناس، ولكن الأنانية سحرته بأناقتها، وأصبح كالخاتم في إصبعها المليء بالأوهام، وأتت الشكوى لتحكي ترجمة الألم، فقام الإحساس بتجاهلهما رغم حديثهما، وغادرا المكان وسط أجواء الأنانية الساحرة.
غادر الألم مع الشكوى، وطلب منها البقاء في منزلهما، وخرج تائهًا في صحراء الجرح التي اشتهرت بخطورتها؛ فعندما تتراكم الجروح في موضعٍ ما، فعلاجه سيكون مؤلمًا، وصعبًا، وكان الصمت يتأمل الصحراء من قوقعته، فلمح الألم، وخرج من قوقعته، وأخذه معه؛ فقد كان صوته ذابلًا، وفقد النطق حين رآه الصمت، وبعد ساعات تعبت الأنانية، ولم تستطع إكمال العمل وتناثر غرورها كاشفًا القناع عن حقيقتها، فاستوعب الإحساس ما حصل، فعاد لرشده، وذهب للشكوى، واعتذر منها.
لن أتحدث أيها الرجل، فما للشكوى حديث بعد رحيل الألم، كلمات الشكوى أبكت الإحساس، وغادر نحو صحراء الجرح، وتعثر كثيرًا، وكان يصرخ مما يصيبه، وبقي هكذا حتى وصل للصمت، وتأسف للألم لما بدر منه.
كانت الشكوى تراقب ما يجري، وحادثت الألم أن ينطق، فانطلق لسانه، وشكر الصمت، وعاد مع الإحساس لأمّه.
@bayian03