إنها ليست بريئة كما تبدو، بل تحمل في طياتها قوى قادرة على تشكيل عقول الأجيال القادمة. خذ إنستجرام كمثال، ما بدأ كمنصة لمشاركة اللحظات البسيطة والصور العفوية، تحول إلى ساحة للمظاهر الزائفة والمقارنات المدمرة، إنستجرام يعزز هوس المظهر الخارجي، ويركز على خلق معايير جمالية غير واقعية، يتصفح المستخدمون صوراً محسنة ومفلترة لوجوه وأجساد مثالية، ما يدفع الكثيرين، خاصة الشباب، إلى الشعور بعدم الرضا عن أنفسهم.. النتيجة؟ اضطرابات الأكل، انخفاض تقدير الذات، وصناعة تستهلك العقل والجسد. أما تيك توك، فهو منصة يبدو أنها تقدم تسلية خفيفة وسريعة. لكنها، في جوهرها تغذي التسطيح الفكري، الفيديوهات القصيرة التي تعتمد على الإبهار البصري والسرعة تقتل القدرة على التركيز والتأمل. الثقافة التي ينتجها تيك توك تضع القيمة في اللحظة العابرة، مما يؤدي إلى مجتمع يعاني من فراغ فكري وسرعة في الحكم على الأمور دون تعمق.
وسناب شات؟ مثال آخر على الوجه المظلم للتكنولوجيا. تصميمه الذي يشجع على مشاركة اللحظات الفورية، مع إضافة الفلاتر التي تشوه الواقع، يعزز الشعور بالضآلة والسخط. يصبح الفرد عالقاً في دوامة مقارنة حياته اليومية المليئة بالتحديات بما يبدو أنه حياة مثالية يعيشها الآخرون. يتجاهل المستخدم ما يملك من نعم ويركز على ما يفتقده، مما يخلق شعوراً دائماً بعدم الكفاية. لكن المشكلة ليست في التطبيقات ذاتها، بل في الطريقة التي نستخدمها بها وفي الوعي الجمعي الذي لم يتطور لمواكبة هذه الأدوات، نحن بحاجة إلى إعادة النظر في علاقتنا بالتكنولوجيا، وأن ندرك أنها ليست مجرد أدوات، بل منظومات تعمل على تشكيلنا. السؤال هنا: هل نحن من يستخدم التكنولوجيا، أم أن التكنولوجيا هي التي تستخدمنا؟ العواقب النفسية والاجتماعية والجسدية لهذا الاستخدام المفرط وغير الواعي أصبحت واضحة. تزايد حالات القلق والاكتئاب، ضعف العلاقات الاجتماعية الحقيقية، وانهيار معايير الصحة النفسية والجسدية. التكنولوجيا ليست مرآة بريئة، بل هي انعكاس لوعينا الجماعي، ومن خلالها يمكن أن نرى حقيقتنا بوضوح. اعتقد أن الحل ليس في التخلص من التكنولوجيا أو مقاطعتها، بل في التعامل معها بوعي. يجب أن نسأل أنفسنا: لماذا نستخدم هذه التطبيقات؟ وما الذي نبحث عنه من خلالها؟
إذا استطعنا أن نفصل بين الحاجة الحقيقية والرغبات التي تغذيها خوارزميات هذه المنصات، يمكننا أن نعيد السيطرة على حياتنا. التكنولوجيا ليست شريرة بطبيعتها، إنها أداة يمكن أن تُستخدم للخير أو الشر. إذا استطعنا أن نُعيد تعريف علاقتنا بها، ونضع حدوداً صحية لاستخدامها، فإنها قد تصبح وسيلة للتمكين وليس للهدم. الخيار بيدنا، فإما أن ننضج مع هذه الأدوات، أو ننكسر تحت ثقلها. التكنولوجيا ليست مستقبلنا فقط ، بل هي حاضرنا الذي نصوغه بأيدينا كل يوم.
@malarab1