في رحلة الحياة وتخبطاتها، يصطدم الإنسان ويواجه أمور خارجة عن إرادته، فتعترض حياته لحظات من الفقد والألم تجعله يشعر أن كل شيء بناه قد انهدم، وأن كل شيء حلم به انتهى بعد فترات طويلة من التخطيط والكفاح. قد نواجه فقد لإنسان، لوظيفة، لأحلام، لفرص طالما انتظرناها لأيام وسنوات، أو مواجهتنا لخيبات مؤذية لم نكن نتوقعها يومًا قامت بعصف قلوبنا، وهددت اطمئناننا وراحتنا.. فتبدو الأمور حينها معقّدة وصعبة التقبّل والاحتمال.
في خضم هذه المرحلة المؤلمة، سرعان ما تأتي كلمة (العوض) كطوق نجاة ينقذنا من أمواج اليأس والألم بعدما تصارعنا معها يمنةً ويسرة. يأتي العوض كضوءٍ مشع لامع في نهاية نفقٍ طويل شديد الحلكة، أو أشبه ما يكون بالارتواء بعد شدة الظمأ في يومٍ صائف. كلمة العوض ثلاثة أحرف.. لكنها تعطينا آلاف الدروس في هذه الحياة، تعلّمنا أن نهاية الصبر والرضا وحسن الظن بالله، نهايتها جبر يليق بقلبك، يفوق ما تتمناه وما فقدته، سيأتي كالمعجزة التي تغير أقدارك للأجمل وفوق ما تتخيل وتتصوّر، حتى ولو جاء في وقت متأخر تأكد أنه سيكون أفضل مما لو جاء مبكرًا، كالمطر يأتي ويروي جفاف قلبك وحياتك التي بدأ التصحر يعترضها. ستتذوق لذّة العوض والجبر بعدما تنهزم مرارًا وتكرارًا وتتعرض للحرمان من أشياء تعلق قلبك بها، ولكنك في نهاية المطاف رأيت بأم عينك أنها ليست من نصيبك ولم تكتب لك.
يأتيك العوض ليخفف عنك شعور الخسارة والحرمان فيعطيك الله ويمنحك أجمل مما فقدت، كوجود صديق هيّن ليّن يربّت على أكتافك ويمسح دمعك المنهمر في لحظات ضعفك، أو شخص جديد يدخل لحياتك في فرصة غير متوقعة ولم تكن بالحسبان فيجعلك تشعر بطعم الربيع ونشوة الأمان بعد فترات طويلة من الخريف المستمر.. يجعلك في تساؤل دائم حول كيفية قضائك لحياتك وأيامك السابقة بدونه؟
أو يكون العوض مجرد شعور بسيط لكنه قادر على إحياء ما مات في داخلك كإحساسك بالقناعة والاكتفاء والسلام الداخلي، الذي إن وجدته هانت عليك كل الأمور وتقبلت كل العوائق بصدر رحب وقلب مهيئ بالأمل. أو حتى عوض من ناحية الفرص، كحصولك على فرصة وظيفية، أو إنشاءك لمشروع مُلهم أو فرصة لإيجاد ذاتك وتنمية استحقاقك الذاتي.
كل شخص منا تعرّض لأحد أنواع الفقد أو ربما جميعها، كل شخص منا لديه قصة وجزء منها لم يعلم به أحد من قبل، هذا الجزء أعاد ترميمنا! كل تلك القصص تذكرنا بأن الحياة تسرق منا أشياءً، لكن في المقابل تمنحنا أشياءً أعظم تستحق الانتظار والصبر.
العوض علامة بأن ما نفقده ليس نهاية كل شيء وليس نهاية المطاف، بل ممكن أن يكون فرصة ومفتاح لبداية جديدة.
قال تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ﴾.. اطمئن سيعطيك الله ويغنيك ويغمر قلبك بالأمل من جديد.