النظام السابق وبشكل واضح كان بعيدا عن تطبيق مفهوم العمل الصالح الذي يعني بصورة عامة تحقيق الأمن للناس وعدم الضرار بمصالحهم المباشرة وعدم الإساءة إليهم، يشهد على ذلك السجون المنتشرة في عرض البلاد وطولها وقد يقول البعض السجون ضرورة أمنية لحماية الدول والمجتمعات فنقول هذا صحيح في حالة أن تكون السجون لاصلاح وتهذيب الخارجين على القانون والنظام والمتجاوزين بحق المجتمع واستقراره، ولكن عندما تكون مكان لنفي الناس وإرهابهم في عمل غير صالح، يؤكد ذلك كثرة حديث الناس في سوريا حول المسجونين والمفقودين والمنقطعة أخبارهم، وتذكر بعض الروايات أن هناك أشخاص أودعوا في فترة النظام السابق السجن ولم يستطع أهلهم، وأقاربهم حتى السؤال عنهم، أو الاستيضاح عن أحوالهم، لأنهم أي الأهل والاقارب يخافون أن ينظر إليهم كداعمين للشخص المسجون يطالهم ذات العقاب، ومن هنا نشأت نقاط الفساد التي يعتاش عليها كل من له صلة بالنظام، يصبح نقل أخبار السجناء تجارة رائجة تدر على السجانين أموال طائلة.
في قصص مصورة عرضت بعد سقوط النظام ذكرت بعض الأسر أنها دفعت أموالاً طائلة لمجرد أن تعرف فقط ما إذا كان المسجون الذي يٌسأل عنه على قيد الحياة أو لا، ومن الأفكار الصالحة في رأينا التي اهتدى إليها من يديرون سوريا اليوم إقامة ما اسموه مراكز التسوية وفكرتها العامة كما تفهم من سياقات الأخبار أن كل إنسان قام بعمل غير صالح، يعني أضر بالناس في فترة العهد السابق يقدم نفسه لجهات مختصة تنظر في وضعه بمعنى تخضع عمله السابق للنظام، وللقانون. وهذا في تقديري عمل رائع يمثل ما يعرف في مثل هذه الحالات بالعدالة الانتقالية التي تعنى في معناها العام، والواسع أن لا يقتص من مسيئ إلا بنص قانوني وبعد الخضوع لمحاكمة عادلة والابتعاد وبشكل مطلق عن عمليات أخذ الحقوق أو استعادتها بالقوة، أو بالشكل المباشر بين الأشخاص والذي يقترب من أعمال الانتقام أو الثأر.
نهج العدالة الانتقالية يبشر في المجتمع الذي يرتضيه بأنه مستقبل هذا المجتمع سيكون أكثر هدوء وتحضر، ومدنية .
@salemalyami