في أحد الأحياء التي باتت اليوم تدعى قديمة ولد غازي بن عبدالرحمن القصيبي، قبل65 عاماً، وما ان أكمل 9 أشهر حتى توفيت والدته، فتربى في كنف جدته لأمه، وقبل ان يكمل الخامسة انتقل إلى جزيرة البحرين حيث كان والده يمثل القائم بأعمال المملكة هناك، وهناك تدرج في دراسته من الابتدائية، فالمتوسطة والثانوية. وقبل ان يكمل العاشرة كان يتذوق الشعر، كان يقرأ لفحول الشعراء العربي من القدامى والمعاصرين وشبه المعاصرين، وعلى رأسهم أبو الطيب المتنبي، كامل الكيلاني، يوسف السباعي، أحمد شوقي، حافظ إبراهيم، ومحمد مهدي الجواهري. وفي تلك السنوات أو بعدها بقليل حلق القصيبي في سماء الأدب العالمي المترجم إلى العربية، حين قرأ لآرسين لوبين وكامبول، حتى أنه ـ كما يقول ـ كان يعتزل في غرفته، ليقرأ الشعر. وساعده على الغوص في عالم الأدب الجو الذي صنعه له والده هناك، مما دفعه للارتقاء والاندفاع إلى الأمام.
ورغم هذا الولع بالشعر، لم يخرج أول بيت من شفتي القصيبي أو قلمه، إلا بعد ان أتم المرحلة الثانوية أو قبل ذلك بقليل، حيث كان يفتعل الخصام الشعري مع زميل دراسته الشاعر (المعروف حالياً) عبدالرحمن رفيع، فكانا يتباريان في نظم القصائد، التي ولدت ـ كما يقول أحدهما ـ حالة غيرة محمودة، تفاعل معها كل واحد منهما سلباً وإيجاباً.
وفي القاهرة انفجرت شياطين الشعر في عقل وقلب غازي، الشاب الجامعي، الذي يدرس الحقوق، مع ثلة من الطلبة البحرينيين، تنبأ له البعض بان يمثل الجيل الثاني في تيار التجديد الشعري في المملكة، وأحد رواد الحركة الحداثية فيه، خلفاً للأديب الكبير محمد حسن عواد.
تغنى في أشياء كثيرة لا يسهل حصرها، في البحر، البر، الأصدقاء الأوفياء والخونة، الدراسة الجامعية، الرموز السياسية المحلية، والعربية والإسلامية، ولم يوفر زعماء دول عدم الانحياز، وغيرهم، كتب شعراً ساخراً، وآخر سياسياً، غاص في مياه الخليج ليكتب عن اللؤلؤ، وحفر الأرض ليكتب عن الجنيات.. حتى ان البعض سأل ذات يوم: ما الذي لم يكتب عنه القصيبي.. أنه لم يترك شيئاً لأحد.
في العام 1960م، صدر للقصيبي ديوانه الأول، وقيل يومها (أنه دم جديد في شريان الشعر السعودي)، مشيدين بشكل القصيدة الجديد الذي قدمه القصيبي في ديوانه، كما تناولوا المضمون والاختيار للموضوعات، الذي وصفوه بالمتميز.
ويقول أحدهم عن شعر القصيبي: حين تلتقي غازي بن عبدالرحمن الشاعر، ستحادثه محادثة الخلان،وتصغي إليه غيابياً، أو حتى يصغي إليك، يدخلك معه في نسيج الشعر، حتى وهو يتحدث معك عن أمور لا شعر فيها، لكنه يحيل الحجارة إلى مفردات شعر، معه يصير الأسمنت شعراً، الدبلوماسية شعراً، السياسة شعراً، والأعظم من كل هذا ان يجعل الشعرً في زمان أفسد الناس الشعراء، فأفسد هؤلاء الشعراء.
هذه وقفات سريعة مع القصيبي الشاعر، وقد تكون لنا وقفات مع شخصيته الشعرية أو الإدارية، وربما الدبلوماسية.