الحالة التي وصل لها الشيخ محمد الطنطاوي والشيخ أحمد الكبيسي ولكليهما ما نعرف من مكانة علمية دينية من تذمر وتململ في الرد على معارضيهما معبرة عن حالنا جميعا مع مسألة التعددية والاختلاف في الرأي.
فهاتان الشخصيتان تعرضتا مؤخرا لضغوط ولإرهاب فكري من مريديهم أدت بهما لردة الفعل العنيفة التي عبر عنها الشيخ الكبيسي في مقابلة تليفزيونية قبل عدة أيام وعبر عنها الشيخ الطنطاوي اول امس في افتتاح أحد المنتديات الاسلامية ونشرت الصحف مقتطفات منها، وكلاهما قوبلتا بهمهمة واعتراض من العامة!
وهذا هو حال أمتنا فاما ان يكون الرأي واحدا واما فلا، هكذا تعلمنا هكذا مارسنا التعبير هكذا نتخاطب ونتحاور، فإن كانت المكانة العلمية لهاتين الشخصيتين لم تشفع لهما رأيهما الخاص، فكيف برأي يصدر من كاتب أو سياسي أو مثقف أو فنان أو.. أو؟ اليوم تضاءل خطر القمع السلطوي لا خطر القمع المجتمعي، والمصيبة ان هذه المجتمعات تطالب بحقوقها الديموقراطية وكأن تلك الحقوق مفصلة لكل فرد فيها وفقا لقناعاته! ان للديموقراطية ساقين لا يمكنها ان تسير بدونهما معا، الثقافة الديموقراطية والأدوات الديموقراطية، فإن تبنيناها (الديموقراطية) كمجتمعات نامية حديثة العهد بأدواتها وحديثة العهد بثقافتها فإن كافة الادوات من حرية تعبير ممثلة في قانون مطبوعات ولا اروع، وقانون التعبير الجماعي، وقانون احزاب، وقضاء مستقل، وبرلمانات وانتخابات و.. و.. الخ ستظل جميعها ساقا واحدة عرجاء تحتاج للساق الاخرى حتى تتمكن الديموقراطية ان تؤتي اكلها، فما تلك سوى ادوات، اما الثقافة الديموقراطية من فهي عبارة عن إرث متراكم من الممارسة تتأتى بالتعلم وبالتقويم وبالاقرار اولا بالهوة الفاصلة بيننا وبينها في مراحلنا الاولى، فنحن مازلنا نستورد الادوات دون ان نتمرس في استخدامها، فلا عجب ان تسود الى الآن ثقافة القمع الجماعية التي تمارس ضد كل مخالف لمزاجها، فلا عجب ان يقرر الشارع ما يود سماعه ويفرضه حتى على القيادات، اومن أراد ان يحتل مقعدا قياديا، ومن يخالفه فمكانته مهددة الى ان (يعود) الى رأيهم، او بمعنى آخر يعود لرشده كما يرون هم الرشد ويصفونه، فهنا غوغائية أعطيت حق التعبير (الأداة)، فمارست ما تعرفه وما تعلمته وما مورس ضدها طوال الحقبات المتتالية ولا تعرف غيره ثقافة، وهكذا قمع الرأي الآخر، فالله يرحم زمان قمع السلطة!
لنقر ان امامنا طريقا طويلا حتى تتأصل فينا تلك الثقافة التي يطمئن فيها صاحب رأي مخالف للجماعة على نفسه كي يتقدم ويعبر عن رأيه دون شعور بالمخاطرة ودون خوف من ارهاب، امامنا طريق حتى يتحول الشارع الى (رأي عام) والفارق بينهما ثقافة وحضارة وارث متراكم من الممارسة الواعية الحضارية، امامنا طريق طويل حتى يتمرد هذا الشارع يوما ما على لصوص ضمائره ويتمرد على حالة الشتات التي كان عليها التي اودت به للمهالك، فلا يعود يسمح بأن يختطف العقل منه ويستنزف الى آخر قطرة من قبل حفنة من المنافقين والكذابين!
والشيخ الطنطاوي والشيخ الكبيسي يدفعان اليوم ثمنا دفعه قبلهما كثيرون قالوا رأيهم وفقا لقناعتهم (صح أم خطأ تلك حكاية اخرى) انما قالوا رأيهم ولم يبالوا بأي خسارة، وسيأتي غدا غيرهم يواصلون الدرب وقد يطول هذا الدرب وقد يقصر انما دون شجاعة هؤلاء لن نتعلم كيف نتقبل مبدأ التعددية لتترسخ من بعدها في ذاكرتنا واحدة من أسس الثقافة الديموقراطية نهبها لأبنائنا.
كاتبة بحرينية