أخبار متعلقة
سطر الملك عبد العزيز آل سعود بطولاته وملاحمه في توحيد المملكة, رغم تباعد مناطقها المترامية الأطراف, وضم المنطقة الشرقية ضمن الدولة السعودية, في حكاية نسجها التاريخ, حيث عرفت المنطقة إبان الحكم التركي بلواء نجد، أو سنجق نجد «متصرفية الأحساء» ويكره أهالي الأحساء هذه المصطلحات السياسية التي استخدمت أثناء تبعية الأحساء والقطيف للدولة العثمانية لشعورهم بعدم الرضا على تبعية بلادهم للترك خاصة بعد ظهور سياسة التتريك. جاء ذلك خلال بحث تاريخي قدمه الدكتور علي بن صالح المغنم مدير اثار الدرعية، حيث قال : « لقد بدأ شعور الرفض من قبل الأهالي جميعا, بعد أن بسطت الدولة السعودية نفوذها على عروض نجد التي شملت الأحساء والقطيف في عهد الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود، حيث تمتعوا في ظل حكم الدولة بالأمن والأمان وشرعية السلطة المحلية الحاكمة، وتنامت مشاعر الحب للحكم السعودي في ظل استمرار السيطرة على البلاد في عهد الدولة السعودية الثانية، حيث تمتعت الأحساء والقطيف بعدالة الإمامين تركي وابنه فيصل،
وجراء تلك العلاقة الحميمية بالدولة أصبحت ساحة قتال بين مؤيدي الدولة من المواطنين وأعداء الدولة من المنتفعين, وبعد أكثر من أربعين عاماً من الاحتلال التركي عزم الملك عبد العزيز على ضم لواء الأحساء وبدأت خطواته تجاه عروض نجدة الأحساء المحتلة من قبل السلطة التركية بعد أن أفلت منها زمام الأمن، وأصبحت الأحساء مقصداً للنهب والسلب، وعجزت السلطة التركية عن تحقيق العدالة والأمن وحماية المواطنين وممتلكاتهم.
بدء الانتصار
وعن موعد الخطوة الثانية للدولة المؤسسة السعودية قال المغنم : "لقد بدأت خطوته للمرحلة الثالثة للدولة السعودية في شهر جمادى الأولى من عام 1331هـ / 1913م، حيث كانت دولته ممزقة وأرضه مسلوبة، وعروض نجده المقطوعة عن نجدها هاجساً يغلق فكره ويعكر صفوه. كان الملك عبد العزيز مشتاقاً لتلعات عروض نجد ودرعاتها، هائماً بربوات النفل والعرار والرَّند والأراك وأوديتها، ومناهل المياه العذبة, حنينه أبداً إلى تلك الربوع كان يقلق قلبه، وضَّحت عروض الأحساء وأحقاف اليمامة والحجاز والتهامة. أرض أجداده الأئمة مسلوبة تحت حكم سلطة التتريك، تعيش الحامية التركية الحاكمة في حمى القلاع والأسوار متخلية عن مسؤوليتها الأمنية، حيث تعيث يد السلب والنهب والظلم والفساد بالمواطنين وبممتلكاتهم.
ويستنجد الأهالي بالملك عبد العزيز ويتحرَّون سيطرته الوطنية وقبضته الحديدية لتحقيق العدل والأمن والأمان والراحة والاطمئنان، يتحرَّون حكماً منهم وفيهم، حكم شيوخهم من آل سعود هي نعمة يتمناها أهالي الأحساء والقطيف، وارتبطت تلك الأمنيات بالحكايات الشعبية، التي يتناقلها الأبناء عن الآباء وتحمل في ثنايا سردها كلَّ معاني الانتماء والولاء لرموز الحكم السعودي الأوفياء, وبعد استقرار أمور نجد تحت سيطرته, قدم على قراره الإستراتيجي باستعادة شرق دولته من السيطرة الأجنبية؛ حيث يعرف أن هوى أهالي الأحساء مع آل سعود ويعرف ما يقاسونه من تدهور الأمن والعبث والفساد الذي يلحق بالمواطنين في المدن والقرى والحقول، وبفكر القيادة وإستراتيجيتها استطاع تلافي أي اشتباكات مع قبائل الأحساء المسيطرة على تخوم الواحة، حيث أزال شكوكهم في رغبته باستعادة الأحساء بتوجيه مسار جيشه إلى شمال غرب الواحة وخصَّص جزءاً من جيشه بالتمركز في نخيل السياج الغربي لمدينة الهفوف والشمالي لمدينة المبرَّز ، نخيل السيفة، وأم خريسان، والدفون، والعوارض، وعين مرجان، والمطيرفي، والقرين إلى واحة مدينة العيون شمالاً بما في ذلك النطاق الزراعي كله المحيط بمدينة الهفوف وكان لهذا السياج القريب من تحصينات المدينة أهمية كبيرة في إستراتيجية اقتحام تحصينات الهفوف مركز الحامية التركية.
اقتحام الحصون
وأضاف "وفي ليلة اقتحام حصون مدينة الهفوف استطاع السيطرة على المدينة وتحييد مدفعية الحامية التركية، والتفاوض مع متصرف اللواء بترحيل الحامية إلى البحرين من ميناء العقير، وكانت هذه الليلة المباركة بمثابة الخطوة الأولى لاسترداد الجناح الشرقي وضمه إلى كيان دولته.
هبوب رياح دولة الإصلاح السعودية على ربوع شرق الجزيرة
بدأت بعد ذلك هبوب رياح الإصلاح على ربوع شرق الجزيرة على الأحساء والقطيف وتوابعها، حيث أصلحت نفوساً وبنت جسوراً من التواد والحب بين آل سعود وأهل شرق الجزيرة, وكل الأحسائيين شعروا بالأمن والأمان في ظل دولتي الإصلاح السعوديتين الأولى والثانية، وكل قبائل لواء نجد من قحطان ووائل وبني هاجر والمناصير والعجمان والمرة والخوالد والعوازم، وكل مواطن في مضارب هذه القبائل من عروض نجد في بلاد شرق الجزيرة سواء في قلاع المدن أو في حاضرة أو بادية لواء نجد من يبرين إلى جزيرة العماير , ومن بندر العقير من ساحل البحر إلى العرمة. كل هؤلاء يدعون لشيوخهم من آل سعود بالنصر وينتصرون لانتصاراتهم ويفرحون لأفراحهم في حكم دولة الإصلاح.
صفات قائد
وقال الدكتور المغنم "يتحدث أحد الأجداد لحفيده عن الملك عبد العزيز بعد استعادة الرياض ويصفه استنادا على ما سمعه عنه وتناقلته الأخبار عند أهالي الأحساء عن الملك عبد العزيز من أنه صبور حليم متسامح عادل متمسك بشرع الله متواضع اتسمت تصرفاته بسلوم قومه فأحبوه وقدروه.
ويواصل الجد حديثه عن أسلاف الملك عبد العزيز، فيذكر الكثير مما تناولته الروايات المدوَّنة في سيرتهم من أنهم أصحاب هدي ورأي، اهتدوا بهدي النبي (صلى الله عليه وسلم) وتخلقوا بخلقه وخلق أصحابه الكرام، يحبٌّون الفقير، ويفكون الأسير، ويرحمون الصغير ، ويعرفون قدر الكبير. سادوا بمكارم أخلاقهم وأعمالهم وتمسكهم بثوابت دينهم. عظَّموا نعمة الله ولم يغتروا بملك فمَّلكهم الله قلوب الناس. عاداته عادات رجاله ومواطنيه، ولهذا وقفوا معه في استرداد مجدهم ومجد أوطانهم، يترفق بأعدائه ويعفو عنهم. جٌبِل على حب وطنه ومواطنيه فأحبه الوطن والمواطنون ونعموا بحكم لا ظلم ولا ضيم فيه.
انتصر الملك عبد العزيز للحق فأصبح نصره نصرا لكل فئات شعبه على اختلاف شرائحهم الاجتماعية. كان نصره نصرا للمناصر له وللمناوئ. الكل بعد النصر منتصر لا فرق بين مناصر ومناوئ عندما يندمج في دولة الصلاح والإصلاح. ومن مظاهر عدل الملك عبد العزيز في حكمه أن جعل من بطانته رجالاً يفزع إليهم الناس في قضاء حوائجهم وفي إحقاق حقوقهم ودفع الظلم عنهم، نصروا المظلومين وقمعوا الظالمين ويسَّروا أمور الناس فيسَّر الله أمورهم ومنعوا الظلم عن الناس ففتحوا قلوبهم لهم بهذا النهج الحكيم من الإمام ابن الإمام. أصبحت أمور الأحساء وتوابعها على أتمِّ التمام، فدعا أهلها بالعزة لإمام قمع المعتدين على الآمنين، فأصبح الأمن ظلاً ظليلاً لجميع المواطنين منع الإغارة والنهب فأصبحت البلاد ترفل بثياب السلام والأمن والأمان.
النهج والموقف
وأضاف "أرست مفاهيم الدولة السعودية في منهجها السياسي وهويتها الثقافية المحلية والعربية والإسلامية شخصيات أئمة الدولة السعودية المتسمة بالرؤية الفكرية المتزنة المستمدة من العقيدة الإسلامية وكرم السجايا والاعتزاز والفخر بالميراث الأسري الذي بناه رموز الدروع القيادية من خلال بطولاتهم وقياداتهم الحكيمة التي سجلتها وثائق التاريخ رواية وتوثيقاً.
وسليل هذا المجد الملك عبد العزيز المولود عام ( 1293هـ الموافق 1876م ) "اداري يحذوك عطره ويعلق بك ريحه" رجل رؤية سياسية وعقيدة، كريم السجايا فخور بمجده وتراثه جسور في تحقيق غايته، لا يهاب الصعاب في سبيل جمع شمل البلاد، حازم عازم عادل، عٌرف الملك عبد العزيز بهذه الصفات حتى وفاته عام ( 1373هـ الموافق 1953م ).
ومن خلال ميراث الملك عبد العزيز وشخصيته المهيبة يردد أهالي الأحساء قولاً وممارسة بولاية الملك عبد العزيز بالحكم والشرع ، يقولون : " آل سعود حكامنا من السابق بايعوهم أهلنا وحموا وطنا ، في عهدهم أصبحت النخيل مثل البيوت في الأمن والأمان، والصحاري والبراري مكبلة فيها الضواري".
ينشد أهالي الأحساء بكل فخر شعر محمد العوني :
مني عليكم يا هل العوجاء سلام وأختص أبا تركي عمى عين الحريب
ويقولون بلسان محاربيهم إنهم :
عينك إلى سهرت يعافون المنام سم لغيرك وأنت لك مثل الحليب
يرحِّبون ويرددون ترحاب الشاعر محمد العوني بأهل العوجاء، ويخصُّون بالترحاب الملك عبد العزيز ويعلنون ولاءهم وانصياعهم لأوامره ومعاداتهم لأعدائه. وكان هاجس الملك عبد العزيز وحلمه وفكره استعادة مجد الوطن الذي هواه مع آل سعود، وفي وطنه مجده ومجد آبائه وأجداده. كان همه أخبار نجد وأخبار عروضها وشمالها وجنوبها، يريد أن يحظى بإرثه الذي صنعه رجال آل سعود وورثَّوه لأنجالهم. آل سعود القادة الذين عاشوا واقع بيئة بلادهم حاضرةً وصحراءَ وسهولاً وأوديةً.
ونجح الملك عبد العزيز بفضل عبقريته في التأثير على كل شرائح مجتمع الأحساء التي لمست تحقيق العدالة في مجتمعها، وتمتع كل فرد بحقوق كاملة غير منقوصة ولا يستطيع أي من كان أن ينتقص منها بغير وجه حق، ولو كان الملك عبد العزيز نفسه، وهي ديمقراطية الحكم السعودي أو عدالة دولة الإصلاح, ويجمع الدارسون على أن الملك عبد العزيز يتمتع بالفطرة بشخصية قيادية منذ صغره ويبرهن ذلك قصته مع الشيخ على آل خليفة والرجل العجمي.
وانتماء أهالي الأحساء والقطيف لآل سعود مبني على معرفة قديمة بهم وعلى احترام وتقدير لدورهم الوطني وضربهم المثل الأعلى في التضحية والفداء في حب الوطن وأهله انتماء للوطن وإلى حب من أحب الوطن, ويقول الدكتور يوسف بن عثمان الخريم : " لقد وجدنا أن النمط القيادي للملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وفقاً لتراثنا الإسلامي، بخط ملوكي وقيادي عام، وقيادي خاص متوازن، فاستطاع ـ إلى حد كبير ـ أن يتوازن قدر الإمكان في دوائر القيادة المتعددة، وهذا ما يؤكد أنه نمط قيادي بالفطرة، ثم جاءت الخبرات والتعليم والتدريب بالصقل والتوظيف الصحيح".
دخول الكوت
وعن حي الكوت قال : "يقع حي الكوت في مدينة الهفوف مركز متصرفية الأحساء، ويتبع متصرفية الأحساء القطيف مركز قائم مقام السلطة التركية وحي الكوت مقر الحامية التركية الرئيسة لمتصرفية الأحساء، وهو أشهر أحياء مدينة الهفوف التاريخية وهي : النعاثل والرفعة والصالحية. ويعد الحي صفحة من صفحات تراث الأحساء، وهو وثيقة تاريخية أثرية من وثائق تاريخ المملكة الحديث، وهو أنموذج للأحياء التاريخية بجزيرة العرب ويماثل حي الطريف بالدرعية من حيث عناصره وتقسيماته إلاّ أنَّه حي استمر عمرانه وطالته يد التغيير والتعمير الحديث فغيَّرت من معالمه وأخفت الكثير من مظاهر عمارته التقليدية وتخطيطه القديم، إلاّ أن هذا الحي كان حياً عامراً وعلى صورته التقليدية عندما دخله الملك عبد العزيز ليلة استعادة لواء نجد للدولة السعودية في مرحلتها الثالثة.
وكان حي الكوت مسوَّراً تحيط به الأسوار والأبراج من جميع جهاته، ونسيجه العمراني مقسَّم إلى فرقان "فرجان" يسمى كل قسم الفريق "الفريج" وفرقان حي الكوت الرويضة، وعين يوسف، والجبلية، والجعافرة، والعمير، والمطاوعة والنجاجير. وفريق الرويضة يضم بيتا تأسس في رحاب دولة الإصلاح السعودية الأولى عام 1203هـ / 1788م على يد رجل من رجال دعوة الإصلاح وقضاتها الشيخ عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن عمر الملا. وقد بقي هذا البيت على ولائه لدولة الإصلاح السعودية طيلة أدوارها الثلاثة. فقد احتضن قدوم صقر الجزيرة مؤسس الدولة السعودية الحديثة في طورها الثالث الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود. لقد تشرَّف بمقدم الملك وشرِّعت أبوابه وأبواب قلوب أصحابه من أعيان أسرة آل ملا الكريمة في ليلة الخامس من شهر جمادى الأولى سنة 1331هـ /1913م.
ولقد عرف أهالي الأحساء هذا البيت (بيت البيعة) وسجله التاريخ بهذا الاسم في سجلات تاريخ الدولة المشرق. وبيت الملا (بيت البيعة) احتفظ بجزء من عمارته ورمِّم هذا الجزء ليكون متحفاً وشاهداً من شواهد الملاحم التاريخية التي سجلها تاريخ الدولة الحديث وافتتح المتحف برعاية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز أمير المنطقة الشرقية وناب عنه في الافتتاح صاحب السمو الأمير جلوي بن عبد العزيز آل جلوي نائب أمير المنطقة الشرقية يوم الثلاثاء 4/ جمادى الآخرة 1431هـ الموافق 18/ مايو 2010م.
ظلال النخيل
وقال "تهللَّت الوجوه بمقدم الملك عبد العزيز, وهذه المشاعر والأحاسيس تتجسَّد في هتافات الأهالي المرحبين بمقدم السلطان ورجاله وصحبه الكرام، مشاعر الفرح بمقدم يوم جديد يحقق فيه السلطان أمن أوطانهم وصيانة أعراضهم وسلامة أبدانهم, وخبر قدوم الملك عبد العزيز ينتشر في مساجد حارات حي الكوت في حارة آل عمير ببراحة القبلية، والمطاوعة، ومسجد المرابدة، ومسجد الجامع الكبير (بني هذا المسجد في عهد الإمام عبد العزيز بن محمد ويسمى مسجد الشيوخ) ومسجد الدبس، ومسجد شبيب، ومساجد الكوت جميعها. كذلك بدأ ينتشر بمدارس الكوت يتداول طلاب مدارس الشلهوبية, وآل عبد اللطيف, وآل هاشم, وآل ملا, والشريفة الحديث حول الحدث التاريخي ويربطونه بتاريخ دولة الإصلاح دولة العلم ونشأة المدارس خاصة المدارس التي تأسست في عهد الدولتين السعوديتين الأولى والثانية بفضل علماء دعوة الإصلاح ولاح من خلال استعراض تاريخ التأسيس لمدرسة الشلهوبية عام 1183هـ في عهد الإمام عبد العزيز بن محمد، وكذلك مدرسة الشهارنة في الرفعة، ومدرسة آل عبد اللطيف في عهد الدولة السعودية الثانية في عهد الإمام فيصل بن تركي بن عبد الله، وكذلك مدرسة آل هاشم تدارس طلاب المدارس صلة علماء تلك المدارس من آل ملا وآل حملي وآل الشيخ مبارك بعلماء دولة الإصلاح.
بانتشار خبر وصول الملك عبد العزيز ودخوله حي الكوت توجه المشايخ وأعيان الكوت لبيت الملا للسلام على القائد ومباركة وصوله ومبايعته على السمع والطاعة على كتاب الله وسنة رسوله، واكتظت سكك الكوت القريبة من سكة آل ملا بالقادمين من حارات الكوت المختلفة وبعض القادمين للحي من أحياء الهفوف الأخرى ممن وصلهم خبر القدوم قبل إشهاره. شعور الفرح بقدوم الملك عبد العزيز أضفى على الناس الشعور بالأمن عندما شعروا أن مقدراتهم بيد قادتهم الذين نعموا بالأمن على أيديهم رغم ما يتهددهم من الخطر جراء حدث استعادة متصرفية الأحساء لدولة الملك عبد العزيز لم يكن الشعور بالخطر والخوف ينغص الفرح، بل إن الفرح أذهب الترح وأحل المرح، حيث أشرقت الوجوه بنور الحرية في كنف شيوخ آل سعود وإن لم تُشْهَر تلك الحرية بعد بإعلان الحكم لله ثم لعبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ويترقب الجميع ساعة إشهار حرية البلد في ظل الحكم الجديد.
المآذن والأبراج
وقال المغنم "مع إشراقة صباح اليوم الخامس من شهر جمادى الأولى من عام 1331هـ يصدح التكبير من أعلى مآذن وأبراج حي الكوت. صدحت الأصوات بالتكبير وإعلان "الله أكبر الملك لله ثم لعبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود" بعد استكمال البيعة حيث تهافت أعيان الأحساء لمبايعته فازدحم حي الكوت وجميع الفرقان بالرجال للتشرف بالسلام على الملك عبد العزيز ومبايعته بالملك. غصَّت سكة الملا بالمبايعين جاءوا من جميع أحياء الهفوف والمبرَّز والعيون والقرى الشرقية والشمالية ليبايعوه على السمع والطاعة.
بعد سماع الصوت يصدح بإعلان الملك لله ثم لعبد العزيز أزيحت هموم المذلة والخنوع عن مواطني الأحساء بعد أن أوحى لهم مفاهيم الحرية والاستقلال، حيث أصبحت مقدَّراتهم بأيدي شيوخهم من آل سعود. بعد سماع الصوت استيقظ العسكر الأتراك مذعورين من إعلان تبعية لواء نجد متصرفة الأحساء لسلطة الملك عبد العزيز، وتأهبوا للقتال، لكن يقاتلون من ؟ يقاتلون أهالي الأحساء الذين احتضنوا قائدهم في سويداء قلوبهم وقلب كوتهم مركز حاضرة الهفوف، احتضنوه ووقفوا بجانبه ولن يضيرهم القتال معه جنباً إلى جنب, واعتنق رجال الحي أسلحتهم ملبين نداء البيعة لحكم آل سعود بعد سماع طلقات مدافع الحامية التركية, وجميع الأهالي يقفون صفاً واحداً مع الملك عبد العزيز ورجاله سواء كانوا في حمى بيوتهم أو في مجالات رزقهم أو في حقولهم, و هم مع الملك عبد العزيز رغم عدم معرفتهم بمصير البلد وما سيئول إليه الوضع، إلاّ أن ذلك لم يؤثر في موقف الأهالي من الوقوف في صفه ونصرته ومبايعتهم له، ويشهد على ذلك الأفواج المتزاحمة للدخول دراويز حي الكوت للمبايعة، هذه كانت حالة الأهالي بعد إعلان البيعة لحكم الملك عبد العزيز. وأمام موقف الصمود هذا تقلصت سلطة الحامية التركية في قصر إبراهيم ولزم المتصرف أحمد نديم مقر المتصرفية هو وقائد عسكره وجنوده وحاميته وتجلَّت مواقف القيادة وشموخها عندما أرسل الملك عبد العزيز مبعوثه محمد بن شلهوب برفقة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن الملا إلى أحمد نديم متصرف السلطة التركية لإبلاغه نص هذا الخطاب "إما أن يسلِّم ويخرج هو ومن معه من عساكر سالماً إلى العقير وإلاّ هاجمهم حتى يحكم الله بينه وبينهم". هذا الخطاب يستند على موقف قيادي يجسِّد ثقة القائد في رجاله ومواطنيه الذين وقفوا بجانبه ويؤكِِّد تصميمه على عقيدة القتال التي تستند على شموخ القيادة المؤمنة بنصر الله ثم بمساندة ومناصرة مواطنيها لتحقيق رغبة الوطن ومواطنيه في التحرر من الظلم والاستعباد.
عند ذلك رأى المتصرف التركي أنه لا خيار أمام موقف الملك عبد العزيز الصلب وبمشورة الشيخ أبو بكر الملا أوضح الشيخ أن التسليم هو التصرف الأقرب للحكمة وحقن الدماء، لأن أهالي الأحساء لا يرغبون في حكم الغريب وبقائه على أرضهم ويرحبِّون بحكم آل سعود الذي منهم وفيهم.
ولم يستطع متصرف اللواء أمام هذا الوضع إلاّ الاستسلام وإعلان الرحيل، وضمن له الملك عبد العزيز الرحيل بسلام واطمئنان, ولا يخون بعهد أو يماطل بوعد، ومن دروازة السوق بوابة العليمي الشرقية ومن دروازة براحة الخيل بوابة براحة الخيل الشمالية تخرج عساكر الحامية التركية ويرحل المتصرِّف وجميع رجاله وإدارة حاميته، يخرجون من بيت آل سعود عبر ميناء العقير دهليز نجد وثغرها على الخليج العربي.