إنها حرب عارضها الملايين ولم تحصل على موافقة مجلس الامن الدولي ووصفها الامين العام للامم المتحدة كوفي عنان بأنها غير مشروعة. لكن الامم المتحدة وضعت سابقة تاريخية أمس الاول الخميس بعد ثمانية أسابيع من بدء الحرب على العراق وذلك بموافقتها على نتائج هذه الحرب. وجاء القرار 1483 ليحقق نصرا جديدا للتحالف المنتصر بقيادة الولايات المتحدة في العراق في المجال الدبلوماسي، وقبلت الدول التي عارضت الحرب وهي روسيا وفرنسا وألمانيا بالامر الواقع الذي تشكل في خضم المعركة. ورغم أن العواقب بعيدة المدى فيما يتعلق بالقانون الدولي والعلاقات الدولية لم تتضح بعد إلا أن المؤكد هو أن وضع الامم المتحدة لم يستفد من هذا الموقف.
وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد كتبت يوم الاثنين الماضي أن السلطات الواسعة التي حصلت عليها الدولتان الغازيتان (الولايات المتحدة وبريطانيا) تجاوزت أي شيء تنص عليه المعاهدات القائمة. وكانت الولايات المتحدة وبريطانيا قد قدمتا بعض التنازلات فيما يتعلق بمنح الامم المتحدة دورا أكبر يتمثل في تعيين ممثل خاص للامين العام واستمرار مشاركة خبراء الاسلحة التابعين للامم المتحدة في عمليات التفتيش في العراق.
وقالت (نيويورك تايمز) إن التعديلات التسعين التي أدخلتها الولايات المتحدة على مشروع القرار الذي طرحته على مجلس الامن بشأن رفع العقوبات التي تفرضها المنظمة الدولية على العراق لم تكن في نهاية الامر سوى تعديلات هامشية تهدف إلى تجميل الصورة. ولكن أهم تلك التعديلات التي أدخلت على مشروع القرار بعد إصرار كل من فرنسا وألمانيا وروسيا هي التي تتعلق بزيادة دور الامم المتحدة وبأن يعين عنان ممثلا خاصا له في العراق بدلا من مجرد منسق. ومع ذلك فإن شاغل هذا المنصب بغض النظر عن هويته سيأتي في المرتبة الثانية بعد سلطات الاحتلال رغم المحاولات التي بذلت للتفاوض على منح هذا الممثل الخاص مزيدا من السلطات. كما قدمت واشنطن ولندن تنازلا آخر يتعلق باستعدادهما السماح لمجلس الامن بتقييم مدى الالتزام بتطبيق القرار في غضون 12 شهرا، ولكن أيا كانت نتيجة هذا التقييم فلن يستطيع المجلس فرض أي بديل للقرار لان الولايات المتحدة وبريطانيا بوسعهما استخدام حق النقض (الفيتو) لمنع صدور أي قرار عن المجلس باعتبارهما من الدول الدائمة العضوية فيه.
وكان تحالف (أوروبا القديمة) فرنسا وألمانيا وروسيا الذي قاد المعارضة الدولية للحرب منذ البداية يسعى إلى تحديد مدة الاحتلال بعام واحد على أن يجري التصويت عليه بعد ذلك في مجلس الامن. وفي هذه الحالة فان حق النقض سيكون في جانب فرنسا وروسيا اللتين تستطيعان وقف تمديد فترة الاحتلال. وكان السفير البريطاني لدى الامم المتحدة جيريمي جرينستوك قد ذكر أنه يمكن أن تمر ثلاثة أو ستة أشهر أو18 أو 24 شهرا قبل تشكيل حكومة عراقية معترف بها دوليا.
وقوبلت عودة الامريكيين إلى الامم المتحدة بمشروع قرار بشأن العراق بالارتياح في برلين وأماكن أخرى واعتبرت مؤشرا على إمكانية تجنب مزيد من المواجهات بعد الحرب التي أدت إلى خلاف بين أعضاء المجلس.
ولكن الامر بالنسبة للولايات المتحدة لم يكن سوى تحقيق لمصالحها الخاصة بصورة واضحة. وقال أحد الدبلوماسيين الغربيين إنه كان واضحا في (وزارة الدفاع الامريكية) البنتاجون وأنه بغير مباركة الامم المتحدة فلن يجد النفط العراقي له سوقا.
وبطبيعة الحال لا تزال القوتان الغازيتان لهما اليد العليا على موارد العراق. وكتب مركز الابحاث ذو الاتجاه الليبرالي والمعروف باسم (فورين بوليسي إن فوكس) في واشنطن إذا قرر البنتاجون أن أفضل استخدام لتلك الاموال هو تسليمها إلى (شركتي) هاليبرتون وبكتيل لانفاقهما على الوجه المناسب فهذا مصرح به. وتتمتع هاليبرتون وبكتيل بصلات قوية في واشنطن وكانتا قد حصلتا على معظم العقود التي منحها البنتاجون في العراق. وفضلا عن ذلك فان سلطات الاحتلال يمكنها التأثير على شكل القيادة السياسية الجديدة في العراق.
وأعرب المراقبون المخضرمون في الامم المتحدة عن إعجابهم ببراعة التكتيك الامريكي. وقال سفير احدى دول أوروبا القديمة إن"ربط كل ذلك بموضوع العقوبات كان ضربا من العبقرية فالامريكيون كانوا سيرفعون أمام العالم صورا لاطفال جوعى إذا لم يحظ مشروع القرار بالموافقة ولم ترفع العقوبات.
وفي محاولة لتفادي الوقوع في شرك العقوبات كانت فرنسا تسعى للحصول على موافقة مجلس الامن على تعليق العقوبات التي تفرضها الامم المتحدة على العراق بصفة نهائية وذلك بمجرد انتصار قوات التحالف في الحرب، ولكن واشنطن رفضت الاقتراح. وقال السفير الفرنسي لدى الامم المتحدة جان مارك دو لا سابليير إن المسألة لم تعد تتعلق بالحرب أو السلام. لم يعد أحد يريد الدخول في صراعات. وقبل الموافقة على مشروع القرار أمس الأول ردد وزير الخارجية الالماني يوشكا فيشر ما قاله الفرنسيون مشيرا إلى الدور الاساسي للولايات المتحدة في أسرة عبر الاطلسي في إشارة واضحة إلى الارتياح لاستعداد الولايات المتحدة لاضطلاع الامم المتحدة بدور في العراق. كما حصل الفرنسيون والروس على بعض الترضية حيث لا يزال برنامج النفط مقابل الغذاء الذي تشرف عليه الامم المتحدة ساريا لستة شهور أخرى بحصيلة متوافرة بالفعل تبلغ عشرة مليارات دولار وستحصل روسيا على 5.1 مليار دولار مقابل توريدات سبق التعاقد معها عليها وستحصل شركات فرنسية على أموال مقابل تنفيذ تعاقدات قائمة مع العراق.