«يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون» . فبشر الرسول (صلى الله عليه وسلم) المسلمين بفرض الصيام بقوله: (أتاكم شهر رمضان.. شهر خير وبركة.. يغشاكم الله فينزل فيه الرحمة ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، فأروا الله فيه من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل) . ويؤثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أول من جمع الناس على صلاة التراويح خلف إمام واحد ، فقد خرج ذات ليلة في رمضان.. في السنة الثانية من خلافته، ومعه أحد الصحابة، فطاف معه على المساجد فوجد الناس يصلون فرادى فقال عمر: ( والله لأظن أنني لو جمعت هؤلاء خلف إمام واحد لكان أفضل) ثم أمر أبي بن كعب أن يقوم بالناس جماعة، وفي الليلة التاليـة خرج عمر وسره أن يرى الناس يصلون التراويح جماعة، وجاء ذلك تنفيذاً للحديث الشريف (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي.. عضوا عليها بالنواجذ). وفي العصر الأموي، استمر المسلمون في تعاملهم مع رمضان كما هو الحال في عهد الخلفاء الراشدين، فلما جاء العصر العباسي، اتسمت ليالي رمضان بالاحتفالات التي كانت تقام احتفاءً بالشهر الكريم، وكان الخليفة هارون الرشيد على ورعه واحتشامه وحرصه على أداء الصلاة في أوقاتها، وإكثاره من النوافل والسنن حتى قيل إنه كان يصلي كل يوم وليلة مائة ركعة، لا يتركها إلاّ لعلة، فقد قيل إنه كان ولوعا بإعداد وسائل الترفيه البريء لعامة الناس في رمضان، بما يقيمه من ولائم في قصره أو في الحدائق العامة.. تتسم بالبذخ بما لم يعرف له مثيل.
الدولة الواحدة قد يوجد بين مدنها اختلاف في العادات الرمضانية، كما لم يعد المسلمون يستقبلون رمضان جميعا في يوم واحد، حيث أصبحت بدايته تختلف من دولة لأخرى، لكن المؤكد أن التقنيات الحديثة قد أثرت على علاقة المسلمين بالشهر الكريم، وسهلت عليهم صيامه، ووفرت عليهم كثيرا من المعاناة التي كانت تبذل من قبل الصائمين في الأزمنة السابقةوفي عهد الفاطميين ، نقلت إلينا كتب السير أن الخليفة المعز لدين الله ، كان يقيم ولائم الإفطار في قصره لعلية القوم، ومثلها في المساجد والأحياء الشعبية لإطعام الفقراء والمهاجرين، فإذا جاء وقت السحور كان نصيب الجميع منه مثل نصيبهم من الإفطار. وفي عهد الدولة الأيوبية اقتصرت العناية بتكريم شهر رمضان على الاحتفال برؤية هلاله، والاحتفال بليلة القدر بإقامة الأذكار والشعائر الدينية، وتلاوة القرآن وإلقاء دروس الوعظ في المساجد، وحث الناس على محاربة الصليبيين الذين كانوا يهددون العالم الإسلامي، في سعيهم لانتزاع بيت المقدس من حوزة المسلمين، وكانت دور الأثرياء تفتح أبوابها للوافدين إليها من الفقراء، ومن جنود الجيش العائدين من الحـرب، فينعمون بإفطار لذيذ وسحور شهي، وسماع آي الذكر الحكيم والأحاديث النبوية الشريفة. وفي عهد المماليك بلغت العناية بشهر رمضان والاحتفال بلياليه حدا كبيرا، ويؤثر عنهم أنهم كانوا يحرصون على قراءة القرآن من أول رمضان في الجامع الأزهر حتى يختم في ليلة العيد في احتفال مهيب يحضره السلطان وطلبة الأزهر وقضاة المذاهب الأربعة، ثم تفرق الخلع والهبات على العلماء والفقهاء وطلبة الأزهـر والأيتام والأرامل والمرضى والمهاجرين، وتثبت وثائق الوقف الإسلامي أن المماليك كانوا أول من رصدوا في حجج أوقافهم، العقارات والأطيان الزراعية، وحددوا ريعها للصرف منها في رمضان على وجوه البر، وفي التوسع في إقامة الشعائر الدينية، وتعمـير المساجد ومساعدة المحتاجين. وحدث في أواخر العهد التركي أن أصيبت البلاد بجدب شديد، فاشتدت الأزمـة الاقتصادية، وتمكن الغلاء من الناس، وكان ذلك في نهاية شهر شعبان سنة 1179هـ حتى بلغ الحرمان بالناس مبلغه، فلما بلغ الأمر إلى الأمير طاهر باشا الكبير صدر أعظم الدولة العثمانية، أصدر فرمانا إلى الولاة بوقف جباية الضرائب لمدة عام، وإعطاء كل محتاج من بيت المال القدر الذي يكفيه هو وعياله مؤونة قوتهم طوال شهر رمضان وأيام العيد، وأمر الحكام والولاة في جميع البلاد أن يقيموا الولائم في كل بلد لإطعام الفقراء على نفقتهم طوال شهر رمضان من العام المذكور، وأهاب بالأعيان أن يفتحوا بيوتهم للفقراء ولتلاوة القرآن طوال الشهر، ليتذوق المحرومون نعمة الخير، ويتمتع الجميع بروح التآخي الإسلامي الكريم . هكذا كانت مظاهر الحفاوة بالشهر الكريم في الماضي.. أما في هذا العصر فلم تعد تجمع العالم الإسلامي عادة واحدة بعد أن تمزق إلى دويلات، اتخذت كل دولة عاداتها وتقاليدها في التعامل مع الشهر الكريم، بل ان الدولة الواحدة قد يوجد بين مدنها اختلاف في العادات الرمضانية، كما لم يعد المسلمون يستقبلون رمضان جميعا في يوم واحد، حيث أصبحت بدايته تختلف من دولة لأخرى، لكن المؤكد أن التقنيات الحديثة قد أثرت على علاقة المسلمين بالشهر الكريم، وسهلت عليهم صيامه، ووفرت عليهم كثيراً من المعاناة التي كانت تبذل من قبل الصائمين في الأزمنة السابقة، وكل رمضان والجميع بخير.