في بدايتي العملية كنت أبحث عن أمل وسط ركام اليأس.. أفتش عن بصيص نور وسط دياجير الظلام التي تتهاوى في ذاتي بلا انقطاع.. أغمض عيني ترقبا لحلم يبدو ضائعاً بين ردهات الأضغاث.. دخلت مكتبها ذات يوم خجولة أكاد أتعثر بخطواتي.. خائفة أحصى عدد أنفاسي.. مترددة أخطو خطوة وأعود عشرة إلى الخلف.. نهضت من مكتبها أمسكت بيدي المرتجفة.. أجلستني في أول مقعد.. ابتسمت.. ذاب خجلي.. تكلمت.. استعدت شجاعتي.. ضحكت، فهمت، تفهمت وأعطت وأعطت وأعطت.. خرجت وقد استعدت ثقتي بذاتي وبدت خطوتي واثقة وكلماتي لها معنى وفي طريقي ألف أمل وأمل.. تلك السيدة الرائعة التي أمدتني بطاقة هائلة من الحب والأمل والعطاء فخرجت إنسانة غير التي دخلت..تعلمت منها أشياء كثيرة.. تعلمت أن درهم حكمة قد يكون أفضل من قنطار علم، لأن العلم والثقافة وحدهما لا يؤهلان الإنسان للحياة بسلام مع البشر، إنما يحتاج الإنسان أيضاً للحكمة لكي تظل سفينته طافية فوق سطح الماء، وصدق الله العظيم " ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيراً كثيراً".. تعلمت منها أن الدنيا كثيرة الفرص وأن الإرادة تحقق المستحيل وأن الاعتماد على النفس ضرورة للنجاح. تعلمت منها أن رضا الضمير هو مفتاح السعادة وأن الإنسان لا يمكن أن يشعر بالسعادة الحقيقية بدون ضمير مرتاح.. تعلمت منها أن الحياة هدف وإرادة وأن على الإنسان أن يؤمن بأهدافه التي حددها مع نفسه لكي ينجح في الحياة.تعلمت منها أن حظوظ الناس غالباً متقاربة مهما بدا للآخرين من تفاوتها، فلكل إنسان من حظه ما يسعده ولكل إنسان من حظه ما يشقيه.. إن ما تعلمته منها أنا وغيري لم يكن دروساً مباشرة أو وصايا مكتوبة أو حفظا وتلقينا.. لكن ما تعلمناه من تصرفاتها وتعاملها وحنانها وعملها الدؤوب وأخلاصها يكفي عن كثير.. نعم.. كم هي عظيمة حقاً تلك الأم الرؤوم ونبع العطاء الذي لا ينضب ولا يفنى أبداً..
أنها الأستاذة/ فوزية المهيزعي مديرة مكتب الإشراف التربوي بالخبر..
تتعثر الكلمات على الشفاه حين الوداع..
ولا نعود نتذكر سوى اللحظات الجميلة..
وقد قال داود النبى متحدثاً إلى لقمان الحكيم " لله الحكمة.. ولنا الألم" وهذا هو حال الوداع لكننا رغم ألمنا لفراقك ندعو الله أن يوفقك في حياتك القادمة وأن تجدى كل الخير وكل السعادة.