إنها رحلة انتصار بالنسبة للرئيس بوش. كل محطة في رحلته ترفع رايات انتصارها الخاص. في بولونيا منح رعايته لأوروبا الجديدة المتحررة من الإمبراطورية الشيوعية. في سانت بطرسبورغ، جند بوتين لصد التسلح النووي الإيراني. وفي فرنسا قام بتقزيم شيراك وأثبت لنادي الدول الصناعية الثماني، أن النادي يعيش بفضله، ويتفكك في غيابه.
ألبوم الانتصار مرة أخرى، يتحرك فريق السلام من منتجع إلى منتجع، من شرم الشيخ إلى العقبة، محاطاً بترتيبات أمنية غير مسبوقة - دائماً غير مسبوقة - ينبض بالحياة ذات الصلة الهشة بالواقع. في فندق راديسون في العقبة غاب الضيوف، ولم تنزل فيه إلا طواقم الإعلاميين التي أوفدتها وزارة الخارجية الإسرائيلية وأرتال الصحفيين. غياب السياح يعكس الواقع الحقيقي. أما ما تبقى فهو مجهول. الطريق من المعبر الحدودي في "العربة" وحتى القصر الملكي في العقبة مرصوفة بالمساكن، وعلى كل سطح يرابط جندي مسلح. على مفارق الطرق يعرض الأردنيون سيارات "هامر" الجديدة التي حصلوا عليها من أميركا.. سيارات الشرطة، أيضاً، هي أميركية الصنع. الأميركيون يسيطرون على كل شيء، بدءاً من نصوص الخطابات التي ألقاها القادة وحتى ألوان القبعات التي توزعها شركة الطيران الأردنية. وفي كل الاتصالات التي جرت هنا بين الأطراف الأميركية والإسرائيلية والأردنية، سواء كانت اتصالات جماعية أو منفردة، يتم حسم كل مسألة من قبل "الدكتورة". والدكتورة هنا هي مستشارة الأمن القومي الأميركي كوندوليسا رايس.
أميركا برئاسة بوش، تفرض رغباتها، إنها لا تتوسط بين رغبات الآخرين. والشرق الأوسط لم يشهد مثل هذا الأسلوب الأميركي القاسي منذ أيام وزير الخارجية جيمس بيكر. إنها رحلة انتصار بالنسبة للرئيس بوش. كل محطة في رحلته ترفع رايات انتصارها الخاص. في بولونيا منح رعايته لأوروبا الجديدة المتحررة من الإمبراطورية الشيوعية. في سانت بطرسبورغ، جند بوتين لصد التسلح النووي الإيراني. وفي فرنسا قام بتقزيم شيراك وأثبت لنادي الدول الصناعية الثماني، أن النادي يعيش بفضله، ويتفكك في غيابه. في شرم الشيخ والعقبة رغم الحرب مع العراق، وبسبب الحرب في العراق، حدد صورته كصانع سلام، وفي قطر، استكمل رحلته بالتقاط صورة مشتركة مع الجنود الأميركيين، الذين حققوا الانتصار في الحرب ضد صدام. هذه الصور كلها ستملأ الألبوم، لكن السؤال هو ما هي المساهمة التي ستقدمها لكتب التاريخ. في وزارة الخارجية الإسرائيلية يحتفظ أحد المسؤولين الكبار بملف ضخم، غلافه أزرق اللون، يوثق فيه كل المستندات المتعلقة بالمفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية منذ أوسلو. ويزداد هذا الملف تضخماً، لكن السلام يتردد في المجيء. يوم أمس، أضاف إلى هذا الملف البيانات التي أدلى بها القادة الثلاثة الذين شاركوا في قمة العقبة. والسؤال هو، ما العبرة التي استخلصها بوش من الجانب الشرق أوسطي في رحلته. لقد عمل مساعدوه طيلة عدة أيام على اعداد صياغات مقبولة للبيانات التي القيت في العقبة وشرم الشيخ. وقد أدرك الموظفون - هم على الأقل - مدى الجهد المطلوب من أجل الاتفاق على عدة كلمات دبلوماسية. فكل كلمة، بل كل نصف كلمة، يمكنها التسبب بأزمة سياسية، لدى هذا الجانب أو ذاك. وعليه، من السهل تقدير حجم المصاعب والتعقيدات التي سيواجهها التوصل إلى اتفاق، عندما يحين موعد النقاش حول القضايا الجوهرية: القدس، الحدود الدائمة، طابع الدولة الفلسطينية وحق العودة. هل ساهمت هذه الرحلة في زيادة شهية بوش على الدخول، شخصياً، إلى السرير الشرق أوسطي المريض؟ الرد على هذا التساؤل سيتضح، فقط، عندما يصل بوش الى واشنطن. أما الأمر المؤكد فهو أنه سيبقى هنا التزاما كبيرا، ربما أكبر مما توقعه في البداية. شارون لم يصل إلى العقبة بفرح. لكنه بذل، رغم ذلك، كل ما باستطاعته للظهور بوجه فرح. لكنه يتمنى ألا يقال عنه ما قاله هو عن رؤساء الحكومة الذين سبقوه، وهو: إن كل واحد من هذه اللقاءات يشكل فصلا في المزاد العلني لبيع الدولة، وكل تنازل للجانب الفلسطيني يستدعي الخراب للدولة ولقادتها. في هذه المرحلة، يعد شارون الفلسطينيين بثلاثة أمور: دولة، تواصل إقليمي واخلاء نقاط استيطانية غير قانونية. كعنوان صحفي، تعتبر هذه الأمور خطوة بعيدة المدى. لكن الدولة التي يفكر بها لا تشبه بتاتاً الحد الأدنى من التوقعات الفلسطينية، فالتواصل الذي يتحدث عنه مشروط بأنواع مختلفة من التذاكي الجغرافي وإخلاء النقاط الاستيطانية الوهمية. في المقابل، قدم أبو مازن أقل من ذلك، حالياً. فهو لا يملك ما يقدمه. وستمضي أسابيع، وربما شهور، حتى يدرك الإسرائيليون والأميركيون ما إذا كانت تقوم حكومة فلسطينية يمكنهم العمل معها. عالم جورج بوش ينقسم إلى أبيض وأسود، إلى أخيار وأشرار. ولبالغ الأسف، إن الأشرار في الشرق الأوسط هم أشرار أشداء، والأخيار، أيضاً، هم أشرار.
*صحفي ومعلق سياسي إسرائيلي