في الماضي غير البعيد.. كانت مجالس الاحياء منتشرة في المدن والقرى والبوادي.. يؤمها افراد الحي بعد صلاة الفجر وصلاة العصر في اغلب الاحيان.. يلتئم عقد المجلس فيجتمع الكبار والصغار.. فيتأدبون بالآداب الاجتماعية السائدة، حيث تنتقل الخبرات والمعلومات من جيل الى جيل.. كان الحي بمثابة منزل كبير يحتضن المنازل الصغيرة، وكان المجلس هو ملتقى رجاله. اما النساء فكن يلتقين في مجلس احداهن يتبادلن الخبرات والمعلومات التي تحفل بالكثير من التجارب. وهكذا كانت الثقافة الاجتماعية تنتشر افقيا ورأسيا.. بينما كان (الوجار) ودلال القهوة في صفوفها وحطب الغضا باريجه يشكل فاكهة الشتاء. وعلى رنين (النهاون) او (النجر) يتقاطر ابناء الحي بعد خروجهم من المسجد على مجلس ابوفلان، ورائحة البن تتضوع عبيرا منعشا للنفوس.
في مجلس الحي كل صغيرة وكبيرة تحدث في المجتمع يعرفها الحاضرون ويتناولونها بحثا ومناقشة، وقد تميزت علاقاتهم بالصفاء والمودة والتعاون.. واذا جاء خبر مفزع هب الجميع للتعاون على درء الخطر وبذل الجهود لانقاذ المصاب وبذل المساعدة. كان الاجيال على اختلاف اعمارهم يشكلون حلقة متصلة، لا فرق بين الكبير والصغير او الغني والفقير.. وكل فرح في منزل من منازل الحي يغمر الجميع بالسعادة والحبور.. وكانت قيم النجدة والبذل والتضحية من اجل الاخر سائدة بفضل هذا التواصل الرائع بين الناس.
ولكن في ظل المتغيرات الحضارية والثقافية الراهنة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا. اختفت تلك المجالس او تكاد حتى ان الجار قد لا يتعرف على جاره رغم مضي سنوات على مجاورتهما. فهو يجهل الجار وظروفه.
واصابت المجتمع الحديث قطيعة غير مقصودة نتيجة اختفاء، مجلس الحي او مجالس الاحياء، وادى عدم التواصل الاجتماعي بين سكان الحي الواحد الى تخلخل العلاقات بينهم. والى غفلة الجميع عما يجري فيه من سلبيات اجتماعية وامنية في بعض الاحياء.
وبينما كان المجتمع في الماضي يتصف افراده بالتراحم والتوادد والتعاون على البر. وكان صغار السن يتلقون من الكبار النصح والتوجيه والخبرة والحكمة. اصبح افراد المجتمع في الوقت الحاضر يعانون التباعد والفردية والانانية بسبب انقطاع تلك الصلات الطيبة التي كان لمجالس الاحياء دور ايجابي فيها.
وبينما كان كل فرد من افراد الحي في الماضي مسئولا عن امن الحي وطمأنينته ومنع الاذى عن افراده. صار الفرد الان غير مكترث بما يتعرض له الحي من اشكاليات.
ان المتغيرات الحضارية والاجتماعية والاقتصادية التي نعيشها تحتم علينا التواصل الاجتماعي من خلال مجلس الحي الذي يجب ان يستجيب لهذه المتغيرات. فاذا كان في الماضي مجلس الحي لاحد اعيان الحي، فانه في الحاضر ينبغي ان يكون مؤسسة اجتماعية وثقافية يشارك سكان الحي في انشائه وفي توفير المكان وتخطيطه وتصميمه حسب مقتضيات التطور الحديث ليجمع شمل افراد الحي وابنائهم. وان يكون قرب المسجد ليتسنى لسكان الحي الجلوس مع ابنائهم في صالة المجلس وليوفر لصغار السن مكانا للترفيه قرب ذويهم كما انه من المفيد ان تكون فيه صالة مكتبة وحاسب آلي وملعب رياضي مناسب.
وان يقام فيه الاحتفال بالمتفوقين من ابناء الحي، واقامة برامج تدريبية لمختلف فئات العمر من الكبار والصغار لاكتساب المهارات السلوكية المختلفة، وان يقدم لابناء الحي من طلبة المدارس دروس تقوية في التخصصات المختلفة كاللغة العربية واللغة الانجليزية والرياضيات والعلوم والانترنت والحاسب الآلي والالقاء والخطابة وغيرها.
ان مجلس الحي او مركز الحي من شأنه تعميق العلاقات بين الناس ونشر الثقافة والقيم الاخلاقية الطيبة.
ومن شأنه توفير مكان لمناسبات الافراح والاتراح. وحبذا لو ان عمدة الحي يكون له مكتب في هذا المجلس لتقديم الخدمات للناس بشكل منتظم.
ومن شأنه ان يكون مركز اشعاع علمي وتعليمي وثقافي يشغل وقت فراغ الشباب ويروح عنهم ويحميهم من شرور الفراغ والصحبة الضارة، ويغرس فيهم روح التعاون على الخير وينمي قدراتهم ويبني شخصياتهم ويصقل مهاراتهم.
مجلس الحي هذا ينبغي ان تخصص له البلديات ارضا واسعة في قلب الحي وان يتم انشاؤه بمساهمة هذه البلديات ومساهمة القادرين من سكان الحي ورجال الاعمال وان يتم تصميمه على اسس حديثة لتحقيق اهدافه، وان يشكل له مجلس ادارة من ابناء الحي للاشراف عليه. كما يحسن ان يبنى له مشروع استثماري لتمويل خدماته الاجتماعية والثقافية. انني اوجه هذ االرأي الى الجهات المعنية ومنها امارة الشرقية ووزارة الشئون البلدية والقروية والجمعيات الخيرية وغيرها. وان مجلس الحي او مركز الحي سيكون له اثر ايجابي في المحافظة على امن الحي وعدم العبث به ومعرفة ما يجري في المجتمع ومؤازرة المسئولين عن رعاية المجتمع والمحافظة عليه. ويمكن ان يكون مركزا لتوزيع المبرات على المحتاجين، كما يمكن وضع تصور مبدئي عن اهدافه وغاياته ومتطلباته ووضع تصميم لمنشآته التي تلبي الاحتياجات وتحقق الاهداف.