ليس بخاف على أحد أن السياسيين الأمريكيين الذين تجرأوا على نقد السياسة الأمريكية او الحديث عن المعاناة الفلسطينية وضرورة انصاف شعب فلسطين تعرضوا لحملات سياسية واعلامية هزت كراسيهم الوثيرة وأطاحت بهم شر اطاحة بسبب أن نقد السياسة الاسرائيلية أو مجرد خدشها أو التحرش بقادتها حتى وان كان تحرشا خفيفا يعد من المحظورات التي يجب على ساسة واشنطن الابتعاد عنها ، وان حاول أحدهم السير ضد هذا التيار فان اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة على استعداد للاطاحة به بأسرع مما يتصور أو يتصور ناخبوه، وازاء ذلك فان من الملاحظ أن سكان البيت الأبيض من رؤساء أمريكا يتحاشون قدر استطاعتهم حين تناول قضية الشرق الأوسط بالبحث والتقليب وصف اسرائيل بأنها قوات احتلال، رغم صحة هذا الوصف وسلامته وتناغمه تماما مع القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة، كما أنهم لايستطيعون انتقاد اسرائيل ولو نقدا خفيفا وهم يرونها بأم عيونهم وهي تمارس أفظع الجرائم وأشنعها مع المدنيين العزل من أبناء فلسطين من خلال سياسة العقاب الجماعي واغلاق المعابر والاغتيالات وهدم المنازل على رؤوس أصحابها وفرض حظر التجول لأيام متواصلة على المدن والقرى الفلسطينية ، وحتى عندما (يسهو) أحد الرؤساء وينتقد اسرائيل كما هو الحال مع بوش حينما انتقد سياسة الاغتيالات والتصفيات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين فانه سرعان ما يعتذر ويقدم المزيد من أسفه على ما بدر منه من (هفوة لسان) حتى أنه وصف استياءه مما حدث من محاولة اغتيال الرنتيسي في وقت متزامن مع مرحلة متقدمة من المفاوضات بين حكومة أبو مازن والفصائل الفلسطينية للتوصل الى هدنة في سبيل تطبيق خطة خريطة الطريق، وصف هذا الاستياء بأنه (قلق ومنشغل البال) .. ولكنه لم يسلم أيضا من دوائر اللوبي الصهيوني واخطبوطها الممتد على كل مساحات الولايات المتحدة، حيث اعتبرت تلك الدوائر أن ما صرح به بوش يعد نقدا جارحا وغير مقبول لسياسة الحكومة الاسرائيلية، وعليه الاعتذار في الحال، فما كان منه الا أن جدد موقفه الداعم للدولة العبرية وأمنها، ولوحظ ان تراجعا مشهودا بدأ يطفو على السياسة الأمريكية حول نقد شارون وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني، وازاء ذلك فان من الضرورة بمكان أن تدرك الادارة الأمريكية أن خطة خريطة الطريق لن يكتب لها النجاح مع سياستها حيال ممارسات اسرائيل العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، فلابد من استخدامها بشجاعة لمفاتيح الضغوط المناسبة ضد عنهجية شارون وغروره وغطرسته، والا فستجد نفسها عاجزة كقوة عظمى ووسيط يفترض أن يكون عادلا لحلحلة أزمة لاشك أن عدم التوصل الى تسويتها بطريقة منصفة ومنطقية وراجحة سوف يعد وصمة عار على جبين الانسانية، وسوف يترك أثرا غائرا على عجز هذه القوة في السيطرة على القلاقل والأزمات والفتن ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب بل في بؤر متوترة أخرى على سطح هذه البسيطة.