كان العراق ولايزال جزءا من الامبراطورية العثمانية عندما أسس مهندس ارمني شركة للتنقيب عن النفط هناك وهو بذلك ساعد على تكوين شكل صناعة النفط العالمية. والآن يستعد احد افراد عائلته - هو ابن حفيد شقيقه - القيام بمشروع مماثل خاص به في العراق.
تلك الشركة اكتشفت ينابيع نفط وفيرة، وحصة الخمسة بالمائة التي حصل عليها المهندس كالوسيت غولبنكيان مكنته من الاقامة في بعض افخم الفنادق الاوروبية واقتناء مجموعة مؤلفة من خمسة الاف قطعة فنية وتأسيس مؤسسة خيرية عرفت باسمه لاتزال قائمة حتى الآن.
وبعد حوالي القرن يستعد حفيد شقيقه، ميكائيل غولبنكيان، رئيس شركة Heritage Oil في كالغاري بالبرتا للقيام بزيارة للعراق بحثا عن فرصة.
ويتحدث ميكائيل في مكتبه في لندن قائلا: آمل ان أسس وأنشئ شيئا مثيرا للاهتمام في قطاع النفط والغاز لأن العراق بالنسبة لأي شخص مختص بالنفط، هو الفردوس.
ان شركة (هريتيج) التي باعت اول اسهمها للناس قبل اربع سنوات، هي شركة صغيرة للتنقيب عن النفط ولها عمليات في افريقيا والشرق الاوسط. وكانت ارباحها في عام 2001 متواضعة وصلت الى 900 الف دولار على مبيعات بقيمة 6ر3 مليون دولار.
ويتعمد غولبنكيان الغموض حول ما ينوي عمله في العراق، الا انه يرفض التشبيه بسلفه العملاق كالوست، قائلا ان ذلك سيكون فيه شيء من الزعم الوقح لانه من النادر جدا ان يعيد التاريخ نفسه.
الشركة التي اسسها كالوست غولبنكيان في عام 1911 والتي عرفت لاحقا باسم شركة البترول العراقية (lpc) أمنت لنفسها حقوقا حصرية لانتاج وبيع النفط ليس في العراق وحده بل في معظم اراضي الامبراطورية العثمانية السابقة، بينها المملكة العربية السعودية وعدد من الامارات الخليجية. وقد ثبت ان العراق لديه ثاني اكبر احتياطي من النفط الخام بعد السعودية.
واصبحت الاي. بي. سي نموذجا احتذته الشركات البترولية المشتركة الاخرى، واستقطبت نجاحاتها الطموحات العالمية لشركات غولبنكيان التي مضت لتصبح اكبر شركات الطاقة في العالم - BP ورويال داتش/ شل غروب. وسلفي شركة توتال النفطية الفرنسية العملاقة، والشركتين الاميركيتين اللتين اندمجتا في النهاية لتشكيل شركة اكسون موبيل.
وعن شقيق جده، كالوست، يقول ميكائيل غولبنكيان: عندما يكون لديك حس في الاعمال وقدرات سياسية وتقنية يكون لديك البديهة لتقوم فعلا بتحديد الطريق لصناعة ما.
وقد أمم العراق ارصدة الاي. بي. سي النفطية في عام 1972 الا ان الشركة تتابع عملها في لندن. ومع ان الشراكة لاتزال مملوكة من المساهمين الاصليين، فان الشركات المالكة تقول ان الاي. بي. سي لا تطالب بالملكية القانونية للارصدة والممتلكات داخل الاراضي العراقية.
تقول شركة BP (بريتش بتروليوم) ان المساهمين الخمسة توصلوا الى اتفاق مع الحكومة العراقية في العامين 1973 - 1974 قبلوا بموجبه بمائة وخمسة ملايين برميل نفط كتعويض عن الارصدة النفطية المؤممة، ومبلغ 315 مليون دولار كدفعة مفردة لتسوية مختلف المطالب العراقية العالقة.
وقالت كيريس تافينور الناطقة باسم شركة شل ان الشركة لا تنوي تحديد التعامل او التعاقد مع اي حكومة عراقية في المستقبل عبر الاي. بي. سي.
قبل انضمامه الى هريتيج اويل تولى ميكائيل غولبنكيان ادارة المصالح النفطية والغازية لمؤسسة كالوست غولبنكيان التي تتخذ من العاصمة البرتغالي لشبونة مقرا لها، حيث تمكن من تطوير حصة عمه الاكبر في الاي. بي.سي الى شركة متكاملة للطاقة. وقال غولبنكيان ان الاي. بي. سي التي كانت منظمة مهيبة، في ايام مجدها هي الان مجرد بقايا ولا دور لها لتلعبه في العراق.
في اي حال لايزال العراق مغلقا للاستثمار امام الشركات الاجنبية. ومع ان بعض المسؤولين الاميريكيين حثوا شركة النفط الوطنية العراقية على فتح الابواب للاستثمار الاجنبي فواضح ان مثل هذه الخطوة لن تتخذ على الارجح قبل قيام حكومة عراقية مستقرة.
في بدايات الاي. بي. سي. حاول الشركاء البريطانيون والفرنسيون الاحتفاظ بالرقعة النفطية العراقية لانفسهم. ولكن الولايات المتحدة مارست ضغوطا شديدة على حلفائها في الحرب العالمية الاولى الى ان فسحوا المجال لشركاء امريكيين.
واحتفظ كالوست غولبنكيان بحصته في مرحلة النزاعات الدبلوماسية تلك.
ولعل اذكى الحركات التي قام بها اصراره على منع اي من الشركاء التنقيب عن النفط في اي مكان ضمن اراضي الامبراطورية العثمانية السابقة سوى عن طريق الاي. بي. سي.
وقد رسم كالوست خطا احمر على خريطة حدد فيها المنطقة التي يقصدها.
وكانت النتيجة ما سمي (اتفاقية الخط الأحمر) التي وقعت في عام 1928، والتي اعتبرت اجرأ تقاسم في تاريخ الاعمال النفطية الكبرى كما جاء في كتاب The seven Sisters وهو تاريخ الاعمال النفطية من تأليف انطوني سامسون.
واليوم، تناور الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا كما فعلت الاي. بي. سي. في الايام الاولى - للمحافظة على تأثيرهما الفريد على القرارات المتعلقة بانتاج وبيع النفط العراقي.
ومع ان البلدين الحليفين يسيطران على حقول النفط العراقية فهما لا يملكان صلاحية قانونية لبيع انتاج لتك الحقول من النفط الخام، ولايزال العراق غير قادر على تصدير نفطه الا في اطار برنامج (النفط من أجل الغذاء) الذي وضعته الأمم المتحدة، والذي سيطرح للتجديد خلال شهر حزيران الحالي.
وفرنسا هذه المرة خارج المجريات وهي تأمل في ان تدخل، وقد كانت شركة توتال الفرنسية قد تفاوضت مع حكومة صدام حسين لتطوير حقل مجنون الضخم في جنوب العراق، ولكن الاحتمالات ضئيلة لتوتال بالنظر الى معارضة فرنسا للهجوم على العراق.
وتخشى روسيا ايضا ان يلغي الامريكيون والبريطانيون الاتفاقات التي عقدتها حكومة صدام حسين قبل الحرب مع الشركات الروسية.
ويشبه ميكائيل غولبنكيان ما يجري اليوم بالمنازعات على النفط العراقي في عشرينات القرن الماضي.
ان ميكائيل (49 سنة) هو الفرد الوحيد الناشط في الأعمال النفطية للعائلة.
وكان اجداده القدماء قد عملوا بالتجارة على درب الحرير القديم مع الصين، وتمتعوا بامتيازات تجارية واسعة طيلة قرنين خلال الحكم العثماني للعراق.
ورغم الوضع الحالي المضطرب في العراق لايزال الحنين يراود ميكائيل للذهاب الى العراق من اجل الاعمال ويقول انه يجد ذلك (طبيعيا جدا).