مع قيام الأنشطة الثقافية بشتى انواعها وبمختف الجهات المحتضنة لها تبقى اصوات مغيبة عن ابداء وجهات نظرها حول ذلك الفعل الثقافي لذا جاءت هذه المساحة لفتح المجال لبعض الرؤى تعليقا على الحدث الثقافي بغية الوصول الى مشهد متكامل بإيجابياته وسلبياته.
أمسية أدبية جمعتنا مع المهتمين بالكتابات القصصية (السردية) في نادي المنطقة الشرقية الادبي، تعاقبت خلالها الثرثرات الانطباعية التي تعبر عن رأي أصحابها، والتي حملت في طياتها الكثير من العبارات التعميمية والتي وسمت بأنها طروحات او مداخلات وقراءات نقدية متجاوزين حدود العرف النقدي في أبسط اصطلاحاته وصوره.
فضيف الامسية قدم نصوصا سردية بلغة محكمة رائعة اسلوبا وعرضا الا ما شذ استخدامه لبعض المفردات الوصفية المنحرفة عن استخدامها اللغوي الصحيح بما لا يدع مجالا لي ولغيري ان يشتم منها رائحة التعبير المجازي، كما قدمت في حناياها كثيرا من صور الرمز والايحاء، متخذا اسلوب الاستبطان.. المنولوج الداخلي.. وسيلة لنفاذ فكرة النص السردي.
القراءة والتي وصفت بانها قراءة نقدية - وبطبيعتها قراءة متأنية أخذ صاحبها وقتا كافيا للنظر فيما قدم عنه من نصوص لم تعدو كونها وصفا تعبيريا كان استعراض الثروة اللغوية الواصفة هم صاحبها الاكبر فلم يقف على مفاصل النصوص وقفات نقدية تبرز اللمسات الابداعية فيها ولم يحاول الغوص في تحليلها تحليلا تذوقيا وفق الخطوط النقدية العريضة والمرنة في تعرية النص المستهدف من عناصره الفنية.
العجيب والأعجب ان بعض المداخلين بين إعجابه الشديد بالقراءة النقدية، وانها كشفت له رؤى كثيرة تجاه النص، لتأتي المداخلة مليئة بثرثرة عامية مخجلة لم نفهم منها جملة نقدية واحدة الا محاولة صاحبها إفهام الحاضرين تأثره بنظريات النقد الغربية التي - كما يبدو - لم تستو على سوقها في ذهنية مدعيها.
الأمسية بأكملها تحكي صورة من صور الانفلات التعبيري والسلوكي كسرت فيها حواجز كثيرة كانت مألوفة عند الحاضرين، النغمة الملتوية والتعبيرات الجانحة، والجرأة المتعدية جعلت الكثيرين يركبون متن الشطط في تعبيراتهم ونظراتهم التي آثروا أن تبقى حبيسة الأنفاس - وفي نظري ان هذا امتداد عتيق كان نتاج ترسبات قرائية عدة سرى بسببها الانحراف الاصطلاحي عبر شريان الإبداع النقدي مما جعل المتلبسين به يثورون بشكل غير مباشر ضد مصطلحات النقد المؤصلة هذا الانحراف احدث تشاؤما لمستقبل المصطلح النقدي. ورغم أن ميدان الصراع النقدي في هذا الاتجاه بين مد وجزر وجذب ورد الا ان القضية تسجل بخط عريض جدا تبعات التجني على الاصالة النقدية، ومصادر الابداع وتزوير الذائقة النقدية ومع وفرة التراث العريض فقد اصبح الخيط الذي امسك به رواد النقد قديما منبتا، فلم يعد لدينا ذلك الاحساس الجمالي بالقيم النفسية والفنية في النص الادبي وان استيعابنا قد بات في معزل بعيد عن إدراك ذلك.
ومع هذا وذاك فان زخم الانتاج الادبي جعلنا - من هول ما نقرأ ونسمع - لا نعترف به كأدب يمثل نضجا فنيا مقبولا، يقدم اشباعا موضوعيا معادلا لحجم الحدث والمناسبة. ان الادب الذي يجسد فينا مشاركة وجدانية مع قائليه هو ذلك الادب الذي ترتضيه لينساق في ضوء دائرة نقدية يقرأ من خلال الاصطلاحات النقدية المؤصلة. النشاز الادائي الذي أراده مبارك الخالدي من خلال ادارته للامسية ورغبته في توجيهها نحو مسار معين ومحاولته التعقيب على التعقيب أثار حسنا واستفز سكوننا ومشاعرنا ولم يداخل فعل الكتابة والابداع بنحو يتوازى مع أكاديميته، ولم يكشف المخبوء ولم يعتم على المكشوف، ولم تكن رؤيته ورؤية القراءة النقدية عملا مضادا لفعل الكتابة المطروحة فكان هناك مجاملة واطراء، وتقديس وتهويل، وتقزيم واحتكار واستهانة بالآخرين.
*رئيس قسم اللغة العربية بتعليم الشرقية