«أنا فلانة بنت فلان آل فلان، أستاذة جامعية. وكما ترى من اسم عائلتي فهي تمتد جنوبا من أطراف عمان إلى رأس خليج شمالا في الكويت. وكنا نتنقل نزور بعضنا كمن يتنقل في بيتٍ واحدٍ كبير. ولما كبرنا كان طبيعيا أن تتوزع أخواتي التسع -ما شاء الله- على كل دول مجلس التعاون، ومنهن ثلاث شقيقات الآن في قطر. عمري الآن شارف على الأربعين وأنا متزوجة في السابعة عشرة من عمري من قريبي وهو سعودي أيضا، مضى على زواجي أكثر من 23 سنة، هذا وأنا آخر العنقود.أكتب لك هذا لا أشكو حالي فقط، ولكني أريد أن افهم. فهل فهمت أنتطيلة هذه السنوات وقبلها تعززت زياراتي لدول الخليج لزيارة أخواتي والعكس صحيح، ولم تكن هذه الدول بنظرنا دولاً حين تكون مثلاً أختي متزوجة من ابن عمها الشقيق في الامارات. ولكن قطر تعززت فيها العلاقات أكثر والزيارات لوجود ثلاث أخواتٍ هناك.. عشنا حياة كما تقول الروايات كأنها أنهار وحياض العسل من السعادة التي تنتجها علاقات القربى والتواصل.
ثم في ليلة تغير الحال وكأن حياض العسل بدأت تجف، وتغورُ أنهارُ اللبن.. وحين تكلمت مع أخواتي هاتفيا كان الجوّ مريبا والهواءُ ثقيلا غريبا متكهربا، لأني، وبصراحة، علاقتي بأخواتي أقوى من أي ظرف سياسي. ولكن شيئا قد حصل، جدار ضربه فأس وبقي الفأس وأثر الفأس.. وبدأت أشعر أن الفأسَ قريبٌ عند رأسي وسينقضّ عليه من وساوس أني قد أفقد اخواتي بسبب آرائنا المختلفة كل منا يبرر موقف بلاده. وعرفتُ شيئا أن السياسة حتى لو ابتعدنا عنها فأنها تؤثر فينا حتى العظم.
أكتب لك هذا لا أشكو حالي فقط، ولكني أريد أن افهم. فهل فهمت أنت؟»
قرأت الرسالة مرات ومرات.. وأحترتُ كيف أجيبُ عن السؤال، كيف أجيب عن سؤال أختٍ ترى أن شعرات قلبها أخواتها الثلاث ينجرفن عنها بعيدا كقاربٍ به كل صيد السمّاك تجرفه موجة في عاصفة بحرية بعيدا عن الشاطئ لا يطاله صاحبه. وقطعتْ الدكتورة علي الإجابة التقليدية بأن أقول لها إن السياسة لا تفسد قضية الود بين الناس بنظرية الفأس.
هي مفاجأة لم يكن نتوقعها أصلا، فنحن بالفعل طول عمرنا لم ننظر لدول الخليج على أنها دول، فأسرتي لها فروع في البحرين وفي الكويت، ولم يكن هناك أي شعور بالانتماء المستقل كما هو في الدول الأخرى.. الآن صحونا على واقع آخر.
ويا دكتورتي.. لا أجد إلا أن أقول كما قلتِ أنتِ أنه «ظرفٌ» سياسي، وطبيعة الظروف أن تمُرَّ، ثم تزول.