DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

نفدت الطبعة

نفدت الطبعة

نفدت الطبعة
كنت على إذاعة الرياض قبل يومين، في حديث عن جوانب من معرض الكتاب، وما يرافقه من فعاليات وتفاعل من قبل الناس.  ومن ذلك، ظاهرة توقيع الكتب التي يفترض بأنها احتفالية ثقافية خاصة بالكتاب المشهورين، الذين قدموا نتاجاً واضحاً كان للتجربة الإنسانية والأدبية والفكرية دور بارز في محتوى الكتاب. ولكن اليوم لم يعد هذا مطلوباً في ظل السعي اللاهث وراء الشهرة والبروز بأقل الإمكانيات وعلى مستوى محدود من الفئة المتوجه لها بذلك المنتج؛ وهم الشباب من الجنسين. وهؤلاء هم الأكثر من الناحية العددية، ولذا نسمع ضجيجاً عالياً عن بعض الأسماء والمؤلفات التي أقل ما يقال عنها بأنها هزيلة جداً!تشجيع هؤلاء مهم وجميل، فبعضهم لديهم قدرات تستحق الاعتناء بها؛ لتنميتها حتى تبرز وهي ناضجة والمؤسف، حين يكون الاسم لامعاً وكبيراً، ولا ينقصه ما يسعى إليه الصغار، ثم تجد ذلك النجم العلمي التلفزيوني  الدوراتي التجاري على غلاف كتاب  للخواطر أو كتاب تجمع فيه التغريدات التويترية، ولا تضيف للعقول شيئاً يذكر!!  إن من ينهج هذا المسار من الكبار، هو الذي يلام قبل الصغار، بل هو من شجعهم بطريق غير مباشر ليظنوا أن ما لديهم من أفكار وأساليب كتابية تستحق أن يضمها مغلف ما وتسوق للناس.  ولهذا كثر الكتاب والكتب وبالغوا في التسويق لأنفسهم في كل مكان، حتى استسهل بعضهم الأمر فصار الذهاب لدار نشر لطباعة كتاب أسهل من الذهاب لتناول القهوة في مقهى ما!!  إن تشجيع هؤلاء مهم وجميل، فبعضهم لديهم قدرات تستحق الاعتناء بها؛ لتنميتها حتى تبرز وهي ناضجة، وتلقى صدى مناسبا ممن يقتنونها ويجدون فيها مادة تستحق القراءة في يوم ما.  قبل أيام جاءتني طالبة جامعية باندفاع وحماس شديد لفت أنظار زميلاتي؛ لحرصها على تجلس معي على انفراد. وأعجبتني ثقتها بنفسها والفرح الذي يتقافز في قلبها، وظهرت علاماته على وجهها وابتسامتها. جلسنا وحدثتني عن قرب تحقق حلمها بإصدار كتاب ما، وأنه عما قريب سيصدر فهو الآن في دار للنشر، وتطلب العون مني ليقام لها حفل توقيع كتاب في الكلية.  أعجبني حماسها الشديد لنفسها، حتى كدت أرى الصورة التي تراها وهي تتخيل نفسها في صالة الكلية وزميلاتها يتزاحمن حولها، بعد أن اشترين الكتاب؛ لتوقعه لهن كما يفعل المشاهير. حدثتها بما تحب أن تسمعه من كل من تحدثهم عن حلمها؛ غير أني طلبت منها أن أقرأ كتابها أولاً، وبخاصة أنه في مرحلة الطباعة وبالامكان معالجة الأخطاء لأنها اعتمدت على تصحيح دار النشر فقط! وعدتني بأن تعطيني نسخة من كتابها لقراءته، إلا أنها لم تعد حتى الآن سأحسن الظن وأقول أن هناك ما منعها، أو أنها جاءت ولم تجدني. وأنها لم تذهب وفي نيتها ألا تعود لمن يقول لها صححي هذا، وبدلي هذا، أو أجلي هذا الحلم قليلاً حتى تتمكني من أدوات الكتابة.  إن الحلم الذي نما في مخيلة الفتاة وغيرها سبقه إليها مجموعة من رجال الأعمال وسيدات الأعمال، حين دونوا خواطرهم وبعض الأفكار المنقولة من هنا وهناك، بعد إعادة صياغتها وتقديمها في كتب فاخرة، واتبعوها بتسويق غير مسبوق لكتبهم - التي يرون بأنها إحدى ذخائر الزمن - في كل مناسبة وكل مواقع التواصل الاجتماعي، وهم يكررون ما بين شهر وآخر بأن الطبعة نفدت حتى وصلوا إلى الطبعة الخامسة عشرة خلال عام واحد!!  والمؤسف، أن بعض الكتاب الذين تزين أسماؤهم صفحات الصحف، سبقوهم إلى هذا التصرف، فبعضهم يصدر في كل عام كتاباً يجمع فيه مقالاته، وبعد حين يصدر رواية حتى غصت المكتبات التجارية منفردة أو مجتمعة في معارض الكتب بمؤلفات كثيرة، لا تعرف كيف تصفها أهي ضعيفة بلغتها وأفكارها أحياناً، أو دنيئة ووضيعة بمحتواها، أو من ذلك النوع الذي يتلاعب بالعواطف والتي تكتب بطريقة كتب قديمة كان عنوانها كيف تكتب رسالة لحبيبتك أو صديقك أو الكتيبات التي تباع فيها الرسائل المعلبة للمناسبات.  مؤسف أن نصل لمرحلة تصل فيها الكلمة إلى هذا المستوى الرخيص، فلا نكاد نفرق بينها وبين الأفلام التجارية الرخيصة.