سوق "الملابس المستعملة والموتى"، هكذا يطلق عليه سكان المنطقة الغربية منذ 4 عقود،، زبائنه من الوافدين وأسر من ذوي الدخول المتدنية اعتادوا على شراء هذه الملابس التي اتخذت اسواق الصواريخ جنوب جدة سوقا رائجة على شكل أكوام مبعثرة، ويدير هذا السوق افارقة ومخالفون ساهموا في إنشائه منذ سنوات، الا ان الجهات المختصة تعمل جاهدة على محاربتهم والقضاء على مثل هذه الاسواق،
قد تكون هذه الملابس نادرة الوجود، وربما لا تتوفر للبيع إلا في متاجر أوروبا الباهظة الثمن وبوتيكاتها الفاخرة، ولكن مع ذلك كله قد يقدر لها أن تجدها في عالم آخر في جنوب غرب مدينة جدة في سوق يأخذ منها حيزاً لتحصل عليها بمبلغ زهيد قد لايذكر من 5 ريالات حتى 20 ريالاً، وقد يكون هذا هو السعر الجديد لهذه البضاعة في هذا العالم الآخر، فبعد أن كان سعر بعضها يتجاوز 1000 ريال ها هي الآن تباع بريالات محدودة
الجهات الرقابيةفريق عمل "اليوم" استطلع هذه السوق رغم المخاطرة وتواجد كثيف للافارقة الذين اعلنوا استنفارهم منذ دخولنا السوق وتخوفهم من الجهات الرقابية، الا ان الفريق استطاع ان يحاكيهم رغم المخاوف التي ارتابتهم منذ ساعات وصول الفريق السوق، واكتشفنا أن مصدر هذه الملابس من بحث هؤلاء الأفارقة في المنازل والنبش في صناديق المهملات او تبرع لاهل المتوفين، واستغلت في عملية التجميع وغسلها وعرضها للبيع بأسعار زهيدة رغم ان الفريق رصد وجود اغلبها بأسعار عادية، إلا أن بعضها يحمل أسماء ماركات عالمية اوروبية مشهورة في عالم الملابس ومرتفعة السعر ومخصصة للنخبة ولا يستطيع تملكها أي شخص عادي، وقد يكون أهل المتوفى قد تبرعوا بها بنية الصدقة عن فقيدهم وهم لا يعلمون أن من قام بأخذها منهم قد باعها بالجملة على آخرين، يبيعونها مفردة ليكسبوا منها المال القليل ولكنه كثير في نظرهم.
مصدر الملابسالافارقة الذين يديرون السوق الرائجة لهذه الملابس لم ينظروا الى المخاطر الصحية من بيع هذه الملابس، فالبائع الذي قد اتخذ من الشارع العام ومواقف السيارات مقراً له ولعرض بضاعته لا يهتم ولا يسأل اين مصدر هذه الملابس؟، وهل تصلح للاستخدام الآدمي أم لا؟، وذلك لأن بعضا ممن كان يستخدمها لربما توفي من مرض معد وخطير كمرض كورونا المنتشر هذه الأيام، وقد تكون هذه الملابس حتى وان تم غسلها إلا انها ناقلة للمرض وبالتالي سينتقل المرض الى من قام بشرائها ولبسها من جديد.
البيع بالأجلالمقيم الافريقي الطاعن في السن احمد غلام عند سؤالنا له -وهو يعرض بضاعته من الملابس المستعملة على طرف الشارع- عن مصدر هذه الملابس، أفادنا أنه يشتريها بالبيع بالاجل من أشخاص آخرين من بني جلدته وهو يقوم ببيعها ليتكسب منها، وعندما سألناه من أين يحضرها أبناء جلدته أفاد أنه لا يعرف شيئاً سوى أنه يشتريها منهم ويقوم بغسلها ومن ثم اعادة بيعها بمبلغ لايتجاوز 5-10-15 ريالا.
بسطات عديدةوجدنا أحد الأطفال عند طرف (البسطة) لا يتجاوز عمره 12 سنة يقيس بعض الملابس على بدنه، وسألناه هل أنت زبون وتريد أن تشتري من هذه الملابس؟، فبادرنا بالفرار والهرب من الموقع والسؤال خشية وخوفاً من أن تلتقطه كاميرا مصور "اليوم"، أيضاً شاهد الفريق في نفس الموقع ونفس (البسطة) أحد الزبائن الأفارقة والذي أكد أنه يزور السوق وهذه البسطات العديدة من فترة لأخرى لكي يشتري له ولزوجته ولابنه الصغير بعض الملابس والحاجيات؛ كون سعرها رخيصا ولا يكلفه الشيء الكثير، وعن سبب ارتياده لهذه السوق وشرائه من هذه البضاعة، أفادنا أن الملابس الجديدة غالية الثمن، ونظراً لغلاء المعيشة وارتفاعها، فانه لا يستطيع أن يقتني الجديد منها لذا يضطر غالباً لارتياد هذه البسطات ليشتري منها ما يناسبه، وعن خطورتها وإمكانية نقلها للأمراض الخطيرة والمعدية وربما القاتلة، أجاب أن كل شيء بيد الله وأن الأعمار بيده.
ويقول: إن هناك إقبالاً من بعض النساء اللاتي لا يستطعن شراء فساتين الزفاف الجديدة التي قد تكون باهظة الثمن نوعاً ما، فيلجأن إلى المستعملة التي قد تفي بالحاجة، وخارج نطاق تلك المحلات الصغيرة، هناك مفترشون على الأرض يبيعون ملابس مستعملة لكنها أقل جودة من تلك المغلفة بأكياس محلات غسيل الملابس، وبالتأكيد فهي أقل سعراً منها فقد تجد بنطالاً يحمل اسم ماركة عالمية بسعر لا يتجاوز 15 ريالا، وفي كل الأحوال لا تخلو هذه ولا تلك من روّادها الباحثين عن الملابس المستعملة.
الإبعاد عن المملكةأوضح الناطق الاعلامي بشرطة منطقة مكة المكرمة المقدم عاطي بن عطيه القرشي أن بائعي الملابس وبصفة عامة ومن مخالفي الانظمة من الباعة المتجولين في الاماكن العامة وعند اشارات المرور يتم ضبطهم فور ملاحظة وجودهم، مبينا أن من يتم ضبطه يسلم للجهات المختصة لاكمال اللازم بحقه نظاما، موضحا ان عقوبته تصل إلى الابعاد عن المملكة اذا اتضح انه مقيم مخالف لنظام الاقامة.
مشكلة مزمنة أكد مصدر في اللجنة المشكلة لمتابعة ظاهرة بيع الملابس المستعملة بجدة ان هذه المشكلة تعتبر من المشكلات المزمنة في محافظة جدة، وتتركز هذه الظاهرة يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع في نطاق حراج الصواريخ، وقد قامت الأمانة بالتنسيق مع شرطة البلدية وفرع وزارة التجارة والصناعة بضبط الغش التجاري بعد القيام بحملات مفاجئة ودورية خلال الفترة السابقة، وتم فيها إزالة العديد من المباسط ومصادرة كميات كبيرة من الملابس المستعملة المعروضة على الأرصفة بالشوارع الموجودة بحراج الصواريخ، ولوحظ أن هذه الظاهرة تعاود الظهور مرة ثانية وعلى مساحات واسعة، ويرجع ذلك لأسباب رئيسة منها وجود مصدر دائم ومستمر لتوريد الملابس المستعملة إلى حراج الصواريخ، ومن ضمن هذه المصادر التبرعات العينية من أفراد المجتمع ومن بعض الجمعيات الخيرية.
وأشار المصدر إلى اعتماد فئة كبيرة من الوافدين على تجارة الملابس المستعملة خاصة النّساء الوافدات كمصدر رزق أساسي لهن، لافتاً إلى الإقبال الكبير على شراء هذه الملابس من قبل الجاليات والجنسيات المقيمة في المملكة، وخاصة محدودي الدخل والفقراء، وذلك لرخص أثمانها رغم وجود فيروسات معدية حسب ما أكد عدد من الاطباء.
الإزالة الفوريةوأوضح المتحدث الاعلامي للدفاع المدني بمنطقة مكة المكرمة المقدم وليد ابو شنب أن هناك لجنة منظمة وبفرق مجدولة من قبل الدفاع المدني للذهاب الى سوق الصواريخ في بيع الملابس المستعملة، وهناك أوراق ترفع من قبل الدفاع المدني موجهة الى أمانة محافظة جدة بإزالة تلك البسطات. وأضاف: إن عدد المحلات المصرح لها ببيع الملابس المستعملة لا يتجاوز 10 محلات، ومن المفترض أن يكون هناك مسافة لا تقل عن 120 مترا بين كل بسطة وأخرى.
الصحة تحذر: الملابس تنقل الأمراض المعديةأكد لـ «اليوم» مدير إدارة صحة البيئة بالشؤون الصحية بمحافظة جدة، الدكتور فهد قمري، ان شراء الملابس غير المعروفة المصدر يشكل خطراً على صحة الشخص الذي يقوم بشرائها، كونها مخزنة بشكل غير صحي، وفي أماكن رطبة ومظلمة ومعرضة للأتربة والغبار، مما يساعد على تكاثر ونمو البكتيريا والجراثيم خصوصاً الفطريات والطفيليات التي قد تسبب أمراضا خطيرة ومتنوعة.
وأضاف قمري: إن الملابس غير المعروفة المصدر سواء ملابس الموتى وغيرها من الملابس التي ربما يرتديها أكثر من شخص تكون عرضة لانتقال الأمراض المعدية، لافتاً الى انه يتم بيعها بدون رقابة من أشخاص مجهولين ربما يكونون هم مرضى بأمراض معدية، داعيا الجميع لعدم التعامل مع هذه الفئة وشراء تلك الملابس حتى وان كانت ذات ماركات عالمية.
ولفت قمري إلى ان دور الصحة العامة يكون من الناحية التوعوية، وذلك بتوعية المجتمع بشكل عام بعدم استخدام ولبس ملابس الاخرين بشكل عام حتى وان كانوا من المعروفين لدينا، محذراً من شراء ملابس غير معروفة المصدر من اشخاص مجهولين، ومن اماكن غير معترف ومصرح لها من أمانة محافظة جدة.
الأمانة: لجنة مشتركة لازالة الأسواق المخالفةأوضح المختص بادارة الرقابة التجارية في أمانة مدينة جدة سليمان الفرج أن هناك لجنة مكونة من عدة جهات حكومية ذات صلة وهي أمانة مدينة جدة، شرطة مدينة جدة، الدفاع المدني، ومكتب العمل تعمل وبإشراف وبدعم كبير ومتواصل ومتابعة مستمرة من وكيل أمين جدة للبلديات الفرعية المهندس عبدالمجيد البطاطي على هدم مثل هذه الاسواق وازالتها والقبض على من يتورط في بيع هذه الملابس، وفق الضوابط التي لدينا.
وقال الفرج إن عمليات الازالة تتم بشكل شهري بسوق الصواريخ، وتشمل ملابس مستعملة، ومواد غذائية فاسدة ومغشوشة، وكشف من خلال زيارة فريق «اليوم» ان أغلب من يتاجر ويتعامل فيها هم نساء من الجنسيات الافريقية المختلفة بالإضافة الى بعض الآسيويين القلائل، وقد يتم الازالة نتيجة عدة مخالفات منها أنهم من مخالفي نظام الاقامة في المملكة ولا يوجد لديهم اثبات الأرض، بالإضافة الى مخالفتهم ببيع الملابس القديمة والتالفة والمستعملة، وبذلك فهم لا يملكون تصاريح رسمية لمزاولة هذا العمل في الموقع، أيضاً من جهود البلدية أننا رصدنا الاراضي التي تمت عليها الازالة وتبين أنها مجهولة الهوية، لذا ستتم عليها عمليات مسح ومن ثم ترفع لأمانة مدينة جدة لتعرض للاستثمار بشكل رسمي وبتصاريح رسمية نظامية.
الأسعار الزهيدة جذبت العمالة المقيمة للشراء
زبون يعاين بعض الملابس وبائع يحمل على رأسه كميات أخرى