DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

ساهر

ساهر

ساهر
ساهر
 في كثير من الأحيان، يسترعي انتباهي ما يقوم به قائدو السيارات من تنبيه وتواصٍ فيما بينهم للإشارة إلى (ساهر). كلنا رأينا هذا الحرص من الجميع على الطرق السريعة والقصيرة وقرب الإشارات المرورية. فهم يستخدمون إشارات ضوئية وأخرى يدوية، وتأتي الاستجابة سريعة جداً من المنبَه (بفتح الباء) للمنبه (بكسرها)، فالأمر يتعلق بالمال (وتحبون المال حباً جما)، ويتعلق أيضاً بالتحدي غير الإيجابي الذي يدفع صاحبه بألا يتيح الفرصة للانتصار عليه، وحتى ولو لم يتبع الطريق الأمثل للانتصار! وحتى ولو كان الهدف هو الحفاظ على حياته وممتلكاته! وتتجلى تلك الصورة عند إشارات المرور التي عقد قرانها على ساهر الذي يحميها، ويقف ذائداً عن خطوطها التي لا يجرؤ أحدهم من التعدي عليها! فما ان يروا قامته المنتصبة على كل زاوية حتى يبطئوا من خطاهم ويدققوا في قياس الوقوف؛ خوفاً من سخط ساهر وصفعته الضوئية القوية.كم غفلنا عن مراقبة أنفسنا، وشغلنا عنها بمراقبة ساهر، حتى أثناء قطعنا لطريق واحد، فتناسينا أحوالنا ونوايانا، وكأنه لا رقيب علينا رغم أنها المراقبة التي تورثنا السعادة في الدارينكل هذا التواصي بالتنبة والإنذار والخوف وما يتبعهم من انصياع واستجابة؛ دفعتني للتفكر في حالنا مع (غافر) ذلك لأن حالنا مع ساهر ينبئ عن خوف واضح على أموالنا التي تجمع بعد جهد جهيد، ثم تتناقص في لحظة؛ حين يلتقط ساهر خطأ واحداً منا سرعان ما يتضاعف ثمنه، ولهذا نستجيب وندفع مرة بعد أخرى، حتى ولو تراكمت وصارت ألوفاً مؤلفة!!  ولا نتعامل بالخوف نفسه والانضباط نفسه والحماس نفسه مع (الغافر) الذي ويالرحمته بنا لا يضاعف الأخطاء بل يضاعف الحسنات. ويتجاوز عن الأولى برحمته (غافر الذنب وقابل التوب). غريب أن نحرص كل الحرص على ألا ينالنا سخط ساهر اللامع، ولا نأبه لسخط الله علينا. نحرص لنتحاشى المخالفات التي تتضاعف، ولا نحرص على الحسنات التي تتضاعف! وكلما رأيت من ينبهنا لساهر أو شعرت بتباطؤ السيارات حين يمرون بقربه حضرت المقارنة في عقلي فأقول: ليتنا نحرص على الثاني أكثر وبخاصة فيما بيننا وبين قلوبنا، وفيما بيننا وبين أعمالنا وتعاملنا مع الناس في أمور كثيرة لا تستقيم الحياة إلا بها، ولا تكتمل حلقات الطريق إلى البنيان المرصوص إلا بها. وما أقبحنا حين نظن أنها تخفى على (غافر) لأنها خفيت على الناس حالها حال النوايا التي تتولد في النفوس عند القيام بعمل ما؛ فلربما قمت بعمل ما من أجل غيرك ظاهره الخير ولكن نواياك فيها ما فيها من اختلاط بين ما تريده حقيقة من وراء ذلك العمل، وما تعلنه ثم تعجب من عدم اكتماله وضياع فرصتك فيه، وهذا لا يحدث دائما فهناك أمور لن نعرفها إلا حين يأتي الوقت لاستيفاء الحقوق منا، وهذا تماماً ما يصفه الشاعر حين قال: وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني إنه غافر الذي (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)، فكم خدعتنا مظاهر التقى وكلمات التدين وفي الصدور ما فيها من النوايا الخبيثة. وكم غفلنا عن مراقبة أنفسنا وشغلنا عنها بمراقبة ساهر حتى أثناء قطعنا لطريق واحد فتناسينا أحوالنا ونوايانا، وكأنه لا رقيب علينا رغم أنها المراقبة التي تورثنا السعادة في الدارين، حين نؤدي الحقوق في الدنيا قبل الآخرة، يقول صلى الله عليه وسلم: (لتؤدن الحقوق يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء)، ترى هل نستطيع ان نحصي حقوق الناس علينا المعنوي منها قبل المادي؟ لا أظن أننا نحسن ذلك فقد طغى إيثارنا لجهدنا من أجل المال وجمعه على جهد الإيمان فطغت الماديات. وتدرعنا بدرع الإسلام وعباداته الظاهرة وتجاهلنا الإيمان وعباداته الخافية. اللَّهُمّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَانًا لاَ يَرْتَدُّ، وَنَعِيمًا لاَ يَنْفَدُ.