عندما تكون في جلسة تناقش فيها مبادئ الذوق العام، يشارك فيها مجموعة من السيدات والآنسات المثقفات والمتعلمات والمتحدثات والأنيقات - وعد ما شئت من الصفات -، ثم تذهب لدورة المياه، وتجد فوضى غير لائقة بهن ولا بالمكان الذي جئن إليه؛ لمناقشة حول مفهوم الذوق العام وكيفية تنشيطه في المجتمع؛ فهذا يعني أن مشكلتنا في الذوق العام كبيرة جداً، بحجم اختلافنا في الذوق العام.
ليس صحيحاً أن من هو نظيف ومرتب في بيته ولباسه، هو كذلك في كل مكان، فبعضهم بمجرد أن يخرج من بيته يتعامل مع كل شيء حوله بطريقة خاطئة ومختلفة تماماً عما هو في بيته.
وإذا كان ذوقه الخاص في بيته سيئاً، فسيكون في الخارج أسوأ.
إحياء الذوق العام والاهتمام بتفاصيله، فكرة بدأها الأستاذ خالد الصفيان، وتلقفتها أكف المتحمسين لكل جميل؛ ليشاركوه في إنمائها وتفعيلها؛ ليجعلوا منها أمراً يطوف بيننا كنت مع مجموعة من النظيفات في بيوتهن، وممن يتابعن ذرة الغبار في كل ركن من أركان المنزل، وبعد أن ركبنا السيارة اكتشفت إحداهن أن معها كيساً كان لا بد أن تلقيه في صندوق القمامة في بيتها، ولذلك بادرت على الفور بطلب أن تفتح لها نافذة السيارة لترمي ما بيدها في الشارع! إلا أن إحدانا منعتها عن ذلك؛ لأن الأولى تعمل وفق فكرة رائجة يرددها كثير منا وهي: لست الوحيدة التي تفعل ذلك.
إن الأمر لا يتعلق بالنظافة وحدها، فهو متشعب يشمل السلوك والأخلاق في القول والفعل مع الأحياء والجمادات، ومع من تعرف ومن لا تعرف من الكبار والصغار.
في الأشهر القليلة الماضية، تداول الناس رسالة ايجابية عن الذوق في التعامل الذي دعانا إليه ديننا الإسلامي، قبل الغرب ومدارس الإتيكيت العالمية، التي يعتقد بعضنا أن التصرفات الراقية لم تأت إلا منها، ونسوا أو تناسوا أن القرآن والسنة النبوية وضعا لنا أسساً كثيرة لذلك الرقي في التعامل، الذي يدل على ذوق رفيع جدا، تعلمناها من آيات الكتاب الكريم، ومن أفعال قام بها محمد صلى الله عليه وسلم.
والغريب، أن حتى من يدعون أنهم يطبقون سنة محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويسيرون على نهجها، لا يفعلون ذلك. فالذوق بعيد في كثير منهم عما يجب أن يتمسكوا به. فالأجنبي الذي يفتح الباب للمرأة أياً كانت قريبة أو غريبة يعد تصرفه واحداً من نماذج الذوق التي ننظر لها عندهم باعجاب، لكنه لا يفعلها ويستهجنها بعضنا فيسابق النساء على الأبواب، ويتقدم أمامها تاركاً الباب يصفق في وجهها! في حين أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- جعل فخذه سلماً ترتقي عليه إحدى زوجاته؛ حين أرادت الصعود على ظهر الناقة!.
دخلت مرة إلى غرفة للصراف الآلي، وهي من الغرف الواسعة التي تكون عادة في مداخل مباني البنوك، وكان هناك مجموعة من الشباب بينهم رجل واحد كبير في السن، ربما كان في السبعينات، ووقفت أنا على جانب من المكان انتظر دوري، ولم يفكر أحد الشباب بتقديمي في حين أصر بعد ذلك الرجل الكبير أن يقدمني عليه، وأردت أن أكرمه لكبر سنه، فطلبت منه أن يتقدم ولكنه رفض بإصرار أخلاقي عال.
كل يوم وفي كل مكان نحن بحاجة أن نتذكر أن الذوق هو مكسب للجميع، فلماذا لا نفيد ونستفيد ونعالج كثيراً من شكاونا التي تتكرر عن النظافة والطوابير، وغيرها من أساليب التعامل مع الأماكن العامة.
إحياء الذوق العام والاهتمام بتفاصيله، فكرة بدأها الأستاذ خالد الصفيان، وتلقفتها أكف المتحمسين لكل جميل؛ ليشاركوه في إنمائها وتفعيلها؛ ليجعلوا منها أمراً يطوف بيننا، يذكرنا ويعالج عثراتنا التي تتنافى مع الذوق، والتي بدأت في السنوات الأخيرة تكثر وتتعدد أشكالها تارة بالتحدي الصارخ للأنظمة، وتارة باللا مبالاة في التعامل مع الناس بأثر من كثير من المواد التلفزيونية، من المسلسلات أو الأغاني أو غيرها، التي تقبح الجميل في كثير من الأحيان، ومن ذلك نغمة السخرية العالية جداً جداً على أشكال الناس في المسلسلات والمسرحيات الكويتية، فقد أصبح الضحك يبنى على اللون والحجم وخلقة الأنف والفم، حتى صار بعضنا يشير على شخص لا يعرفه في مكان عام فيسمع الجميع وهو يصفه بأقبح الصفات؛ لأن له أنف لم يعجبه أو لون لا يرضية!! وهذه السخرية الوقحة صارت أمراً عادياً جداً بين الشباب من الجنسين. وهي وإن ضحكوا عليها بمشاركة ممن ضحكوا عليه، إلا أنها مؤذية جداً للنفوس وللأخلاق وللمجتمع.
تمنياتي لحملة أو برنامج الذوق العام أن يعالج الخلل، ويصلح ما اعوج من السلوك والأخلاق.