بعد أن انتهيت من طعام وجبة الغداء، وقلت الحمد لله الذي أطعمني هذا من غير حول مني ولا قوة، نظرت إلى صحني الفارغ إلا من بقايا قطعة من سمك السالمون وأرز وبصل محمر ورحت أفكر في (من غير حول مني ولاقوة)، فوجدت ان السالمون يجلب من بحار بعيدة، والأرز من الهند، والبصل من مصر، والفلفل من أفريقيا، وكذلك الثوم والبهارات جاءت من بلاد أخرى؛ بل إن الصحن وأدوات المائدة من السويد! فقلت في نفسي: يا الله كم من عبارة ترد علينا ونكررها دون أن نتمثل حقيقتها في عقولنا لنستشعر عظمة النعم التي خصنا بها الله وسخر لنا فيها القاصي والداني حتى صارت بين أيدينا في عملية تكاملية من المنافع المترابطة بين البشر،
البترول الذي هو من أعظم وأهم انتاجنا المحلي وهو من أكبر نعم الله على هذه الأرض فبدون ما يوفره لنا من رخاء مادي لما استطعنا أن نشتري كل هذاولم يتبق لجهدنا فيها إلا القليل عندما نبذل جهداً متواضعاً لنجمعها مع بعضها بعضاً أثناء طهيها؛ مع أن ذلك الجهد وإن بدا بسيطاً إلا تكامل أجسادنا هو الذي سهل الأمر علينا في الحركة لإعداد تلك الوجبة التي نراها بسيطة جداً وما هي كذلك لو تفحصنا تفاصيلها التي منّ بها علينا الله. وعلى الرغم من شعوري بالأسى على ضعف منتجاتنا الوطنية؛ لأنه لم يدخل في تلك الوجبة من الانتاج المحلي سوى الزبدة والمشروب الغازي!! إلا أني سرعان ما تنبهت إلى نعمة أخرى حين تذكرت البترول الذي هو من أعظم وأهم انتاجنا المحلي، وهو من أكبر نعم الله على هذه الأرض فبدون ما يوفره لنا من رخاء مادي لما استطعنا أن نشتري كل هذا. وما هي المراحل التي يمر بها البترول حتى يصل إلى يدي على شكل نقود اشتري بها ما شئت من خيرات الله لتكون طعاماً لذيذاً طالما أتبعته بحمد الله وشكره بطريقة آلية لا تستحضر المراحل التي مرت بها كل المواد التي اجتمعت في النهاية في وجبتي، فكم من عامل وكم من وسيلة مواصلات وكم من آلة يدوية وميكانيكية بذلت لها وبها الجهود؟ ومع هذا نجد من يسيء لكل تلك الجهود التي سخرها الله فيقول (يع) بمنتهى البساطة، وهذا يتنافى مع النعمة ومع التوجيه النبوي، فقد قيل عنه صلى الله عليه وسلم إنه ما عاب طعاماً قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه، وقد جعل القرآن الكريم الطعام وسيلة من وسائل التأمل( أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) وفي سورة الواقعة ذكر اللحم والفاكهة كنعم من نعم الجنة ومقابلها ذكرت أطعمة أهل النار والسورة بأكملها تدعو لمثل هذا النوع من التأمل الذي ينتهي بالمؤمن إلى الحمد والشكر. عندما كنت صغيرة لم أفهم لماذا كان والديّ رحمهما الله يغضبان إذا ابدت إحدانا اعتراضاً غير مهذب على نوع من الطعام. فذلك التصرف في الحقيقة أكبر بكثير من مجرد استياء من طعم أو لون ولكن الصغار لا يفطنون إلى هذا فما بال الكبار لا يتنبهون لهذا الأمر؟! وهو من جملة وسائلهم إلى معرفة الله الذي يقرأون كتابه بلا تبصر قال تعالى في الدعوة للتأمل (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) ففيها دعوة لتأمل حسن الخلق الذي خلقه الله في أحسن تقويم بالإضافة إلى دلالات أخرى ومنها ما يرتبط بالطعام أيضاً فهل نظرت وتأملت في تقارب الحواس التي نستفيد منها في تأمل نعمة ما نأكله؟ فتقارب الفم والأنف من العينين يعيننا على تحسس الطعام بثلاث من الحواس النظر والشم والفم في النهاية فللشكل أثر، وللرائحة أثر وكلها تعيننا على فحص ما نرفعه إلى أفواهنا قبل أن ندخله إليها فيبدو منا نفوراً لا يليق بهذه النعمة. كم نستبسط بعض الأمور وهي عظيمة جداً حين تأخذنا من عقولنا إلى نقطة عميقة من الحمد والشكر لرب العالمين.