حين قرأت تصريح (ام جهاد) انتصار الوزير وزيرة الشئون الاجتماعية في السلطة الفلسطينية للشرق الاوسط يوم الاثنين الماضي بانها (متفائلة ازاء التحول في الموقف الامريكي وتدعو واشنطن الى مزيد من الضغط على اسرائيل) قلت في نفسي اعانك الله يا ام جهاد، واعانك الله ايها الشعب الفلسطيني، اذ اقرأ في المقابل للعديد من كتابنا الاسلاميين او اليساريين من يتهم (ملاحظي هذا التغيير) بالعمالة ويدعون الى تجاهله بل وتجاهل العمل السياسي برمته والاكتفاء بالتصعيد العسكري بالرغم من الخسائر التي يدفع ثمنها الفلسطينيون اضعافا مضاعفة، وبالرغم من اختلال كفة موازين القوى، فلك الله ام جهاد ولك الله يا شعب فلسطين، فكل يدعي وصلا بك!
من الظلم تصوير العمل السياسي على انه خنوع وخضوع وعمالة، فتلك ورقة بامكانها ـ ان احسن استغلالها ـ ان تحقق ما عجز عنه العمل العسكري او على الاقل تكمله وتتوجه، والشواهد على ذلك في التاريخ لاتعد ولاتحصى، فسيناء عادت بالمفاوضات من بعد حرب 73، واليوم اسرائيل تقر بخسارتها من حرب تكسير العظام وحرب استنزاف تمارسها يوميا ضد الشعب الفلسطيني المحتل، لذا فهي مجبرة على الجلوس على طاولة المفاوضات اقرارا منها بتلك الهزيمة، ومجبرة استجابة للضغوط الامريكية غير مسبوقة، ولضغوط دولية متزايدة، فنحن اذا امام متغيرات لافتة للنظر وقد لاتتاح مستقبلا! لكننا مازلنا نراوح في مكاننا لا ايمانا بصحة المكان انما مخافة التغيير، وخوفنا يدفعنا الى صم آذاننا عن دعوات حلحلة مواقعنا ويدفعنا لاغلاق عيوننا عن متغيرات يراها الآخرون بل والاهم من ذلك يراها المعنيون بالامر اكثر منا، ولكننا نكابر وندعي انه لاشيء هناك يستحق الرؤية ونزايد على اصحاب القضية، وما ذلك الا للاستمرار في رواج بضاعة الكلم من دكاكين السياسة العربية واكشاكها المفتوحة في صحفنا السيارة المصرة على تسويق بضائعها الشعارية ومحاربة قاطعي ارزاقها، وغير مستعدة ابدا لمواجهة رياح التغيير العاصفة، ليدفع الثمن شبابنا الفلسطيني وشعبه الواقع بين فكي الكماشة، ودكاكين الشعارات في مكاتبها المكيفة تطمئن الشعب الفلسطيني وتعده بالمزيد من مظاهرات الشوارع، والمزيد من الصور التذكارية الملتقطة لأطفالنا الحلوين بالكوفيات الفلسطينية لتوزيعها كي تشد من ازرهم!!
لن نخسر ان نحن وظفنا ورقة التغيير المعلن عنها في التصريحات الامريكية توظيفا جيدا، ان اسرائيل هي الطرف الاكثر ربحا لهذا العناد العربي المتواصل منذ نصف قرن والذي قادنا من خسارة قطعة تلو الاخرى من ارض فلسطين ولبنان وسوريا.
الفلسطينيون بحاجة اليوم لمن يسند قضيتهم في هذه المرحلة التفاوضية اسنادا يملك طرح الافكار والبدائل، ويسهم في احراج الطرف المفاوض الاخر، اسنادا يمتلك قوة الحجة والمنطق، اسنادا يعرف كيف يستغل كل الوسائل المتاحة لمفاتيح الضغط كي يفضح بها المراوغات الاسرائيلية التي تعتمد في كثير منها على سوء تعاملنا تفاوضيا، اسنادا يمنع اليمين الامريكي من الاستمرار في التلاعب في المصالح الامريكية وتوظيفها لمصلحته الخاصة وليس هناك انسب من هذا الوقت، فهي المرة الاولى التي يقتنع فيها الرأي العام هناك بارتباط امنه القومي بانهاء الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، والمرة الاولى التي يرتبط فيها هذا الامن باستقرار الشرق الاوسط ككل سياسيا وتنمويا، انها المرة الاولى التي يتابع فيها المواطن الامريكي العادي قضايا الشرق الاوسط قلقا من اثر استمرارها على نمط حياته، ولولا هذه النقلة لما جهد الرئيس في كسر وعد قطعه على نفسه بعدم الدخول في تفاصيل ذلك الصراع حين تسلم السلطة!
من الظلم لنا جميعا لا للفلسطينيين فحسب ان نتجاهل هذا المتغير، من الظلم لنا لا للامريكيين ألا نملك حس المبادرة لالتقاط اوراق سياسية غاية في الاهمية القيت في طريقنا ونترك عجائز التنظير ليتحكموا في مستقبلنا من بعد ان اظلموا ماضينا.