ما زالت برامج اختيار النموذج الأمثل في الغناء أو التمثيل تدور في الحلقة نفسها؛ لأن الهدف ليس الاختيار بل جني الأموال -للمؤسسات التلفزيونية- التي يتقاسمونها مع من يقدمون تلك البرامج، وهي مبالغ ضخمة ومغرية تهون على أولئك قطع المسافات الطويلة، وتحمل الإهانات التي يتبادلونها أسبوعياً مع بعضهم بعضاً، أو من جماهيرهم المتفاعلة مع إيجابياتهم وسلبياتهم! وماذا قدمت هذه البرامج؟ ومن بقي على الساحة الفنية من خريجيها؟ معظم من تخرجوا من تلك البرامج كانوا مجرد فقاعات، سرعان ما تختفي أو تتحول إلى العمل في إعلانات الشامبو ومنظف دورات المياه!!.
إن ما بعد هذه البرامج يفترض أن يكون أهم مما كان فيها بالنسبة للمشاركين، لو كان الأمر يعنيهم أو يعني من يهتم بصناعة السينما والطرب. ولكن الذي يحدث أن تلك البرامج ما أن تنتهي الحلقة الأخيرة حتى يسارعوا إلى لملمة أوراقهم حتى موعد الموسم اللاحق، وإذا قارنت تلك البرامج بمخرجات برنامج نجوم العلوم أدركت مساوئ سيطرة تلك التفاهات على عقول شبابنا، وسوف تدرك أيضاً مردود ذلك على من اشتركوا بذلك البرنامج، فنجوم العلوم الذين تخرجوا منه صاروا يقفون اليوم في مصاف من ينتج شيئاً مميزاً يخدم به العالم، ويترك أثراً يتعدى حدود التسلية التي تقدمها تلك البرامج الهزيلة.
من تخرج من برنامج العلوم صار اليوم يتعاقد مع شركات عالمية لإنتاج اختراعاتهم المميزة. شباب صغار من العالم العربي يقفون جنباً إلى جنب مع كبرى الشركات الألمانية والأمريكية المنتجة، وهذا ما نريده حتى يأخذ أولئك الشباب بيد العالم العربي خطوة نحو صناعة مستقبل مختلف لا يعتمد على «هز الوسط» فقط. ما زال المعلن التلفزيوني في كثير من شركات الإعلان ينظر إلى من يستهدفهم بالإعلان نظرة ناقصة ودونية ويفترض فيهم ضعف الوعي والقدرة على التقييم، لا تقييم المنتج بل تقييم العبارات التي تصاغ لإعلانهم، فهي غالباً عبارات كأنها تحكم مبدئياً على أن المتلقي ساذج جداً وقابل للتأثير عليه بأساليب ضعيفة جداً في الإقناع؛ لأنها تقلل من قيمته ومن ذكائه سواء كانت الفئة المستهدفة من الكبار أو الصغار، ومن الذكور أو من الإناث. فمن النادر أن نسمع إعلاناً يحترم عقولنا. اليوم دخل علينا الإعلان من باب الانستغرام وصرنا نرى تجديداً وتميزاً في الأفكار من بعض الأشخاص غير المختصين، ولكنهم في الوقت نفسه يحسنون انتقاء أفكارهم وطريقة عرضهم بأبسط الأدوات. سواء كان الإعلان يخصهم أو يخص منتجات الآخرين.
المسلسلات السورية التي تتحدث بلسان الحاضر -لا زمن أولاد الحارة أو زمن البرغوت- مكتوبة بلغة راقية وعميقة توصل للمشاهد عشرات الرسائل الغنية بفوائدها؛ ولهذا جاءت وهي تختلف كثيراً عن كثير من المسلسلات المصرية والخليجية أو التركية المدبلجة -رغم أن الدبلجة لا تمكننا من الحكم الصحيح عليها- ولهذا جاءت كأولئك، فهي مسطحة في ذاتها وفي أثرها؛ لأنهم يكتفون فيها بعبارات يتبادلها الممثلون فيما بينهم لينسجوا لنا حكاية ما تصفها المشاهد التمثيلية!!. وتزداد سوءا بقاموس لفظي فائض عن الحاجة الفنية يتسم بالقبح، حتى أن قبحه جعله هو الأثر المتفرد في التأثير على الناس صغارهم وكبارهم.
* كاتبة