تنهض المؤسسات غير الربحية بدور أساس في العملية التنموية المستمرة، جنبا إلى جنب مع القطاعين الحكومي والأهلي، في كل مناطق بلادنا المباركة، ولم تترك تلك الواجهات الأهلية مجالا من مجالات الحياة إلا وضعت عليه بصمتها المتألقة، وشاركت في النهوض بمؤسساته وخدماته، الشرعية والصحية والاقتصادية والاجتماعية والأسرية...، وغيرها.
ويعد القطاع الثالث ـ على المستوى العالمي ـ ركيزة لكل دولة متقدمة، حيث يحس المواطن أنه مسؤول عن وطنه، وتنمية مجتمعه، ويسهم بماله ووقته وجهده وإبداعه؛ مما يعزز لديه انتماءه للوطن الذي يمثله.
وقد ظهر ـ في التجارب العالمية ـ كيف أن الإقبال على العمل غير الربحي له نكهة خاصة، حيث تشتعل فيه الرغبة في الخدمة الإنسانية، حتى تتحول إلى شغف بلا نهاية، حيث تتحول مساعدة الآخرين إلى شعور بسعادة فائقة، خلال أدائها وبعدها، بل له أثر غير محدود على الحياة كلها.
وفي شرعنا الإسلامي، هناك دوافع إيمانية يقينية، تجعل البذل مضاعفا، والرغبة حراكا داخليا لا يهدأ أبدا، حتى يصبح العمل إدمانا رائعا، يجعل صاحبه يقدم بلا تؤدة، ولا توقف، ولا تراجع، وقد يضحي بكثير من مصالحه الخاصة؛ من أجل تحقيق النجاح في هذا العمل الذي اختاره من بين كثير جدا من الأعمال التطوعية.
والعاملون في هذا القطاع كانوا ـ إلى وقت قريب ـ يعملون بدون أجر، مما جعل العمل يسير بطريقة غير مؤسسية، وقد يتوقف أو يضعف، وربما تفرقت تلك الجهود؛ لأنها لا تتراكم؛ بسبب التغير السريع الذي يحدث. ولذلك فقد اتجهت بعض المؤسسات الخيرية إلى وضع اللوائح التنظيمية في الجانبين الإداري والمالي، بل وخطت عدة مؤسسات كبرى إلى وضع إستراتيجية متكاملة، وخطط تشغيلية، تتجه بمقدراتها المادية والبشرية إلى تحقيق أهدافها النبيلة مباشرة. والملاحظ: أن الاحتياج لهذه المؤسسات يتضاعف بتضاعف المد السكاني، والمتغيرات المعاصرة، بينما بعضها يفتقد أهم عنصر على الإطلاق، وهو (تأهل) العنصر البشري الوطني علميا في تخصصها، والمدرب على الخدمة بطريقة مهنية عالية الجودة.
وتعجب لمؤسسات مر عليها عدة عقود، وهي لا تزال تعاني من قلة الكوادر المؤهلة، وفي الوقت نفسه فإنها لا تسعى إلى تحقيق ذلك بنفسها، ولا تمتلك برنامجا يسد هذا الفراغ، وكل ما تقوم به هو الاستمرار في البحث، والرضا بما هو دون المستوى المطلوب من المتقدمين للعمل؛ من أجل سد الحاجة. بينما تجد مؤسسات أخرى سعت إلى تأسيس معاهد عليا، واعتمدت دبلومات مبنية بناء احترافيا؛ من أجل استقطاب الراغبين في العمل، وتأهيلهم أكاديميا، وتدريبهم ـ بعد ذلك ـ على رأس العمل، مع تطبيقات عملية طوال سنة أو سنتين أو أكثر، ومن ثم ترتقي بخدماتها، بارتقائها بالعاملين فيها.
هناك فرص ممتازة وكثيرة، منها الشراكات مع الجامعات، وبخاصة كليات وعمادات خدمة المجتمع، ومعاهد التدريب التي يجب أن تأخذ دورها ـ كذلك ـ في خدمة المجتمع.
لا تعذر جمعية تبقى لعقد من الزمان، وهي لم تضف للمجتمع مركزا تدريبيا يؤهل الراغبين في الانضمام إليها، أو لم تتحالف مع شريك علمي يقوم بذلك، ولا عذر لجمعية لا تتيح الفرصة لموظفيها ليتدربوا على ما تحتاج إليهم فيه، ولا عذر لجامعة سعودية لا تزال بعيدة عن خدمة المجتمع، متوانية عن التعاون مع القطاع الثالث.
قفزة:
المال الذي يُؤهل به الموظفون والموظفات هو أفضل من المال الذي ينفق على خدمة يقدمها غير مختصين، في المجال الذي تجول فيه المؤسسة الخيرية وتصول.
* كاتب