إن نوعية خطابنا متدهورة، وكان هذا ذات مرة شكوى موحدة تتعلق بلهجة وعمق حواراتنا ومناقشاتنا السياسية الوطنية، أما الآن فقد تسرب ذلك إلى المجال المالي.
هل نلقي باللوم على تويتر والمتصيدين أو المدونين؟ إنني لست متأكدا من السبب الكامن وراء ذلك، ولكن كما شهدنا في أحيان كثيرة جدا، تبدو المناقشات المالية أنها تنطوي على أناس يتجادلون حول غايات مختلفة. إن المناقشات بين المؤمنين بالسوق الصاعدة والسوق الهابطة تؤول إلى الفوز بالحجة بأي تكلفة. سابقا، كانت هنالك منافسة حقيقية للأفكار في السوق، أما الآن فلدينا نقاشات تتراوح بين مخادعة وغير مجدية.
إن البحث عن الحقيقة قد تم استبداله بالبحث عن حقوق المفاخرة.
اكتشاف الأسعار، مثل أشياء أخرى كثيرة في مجتمعنا، يعتمد على إجراء مناقشة قوية ومفتوحة. إن النقاشات الفكرية يمكنها أن تؤثر أو أنها تؤثر بالفعل على المستثمرين حول مواقفهم الاستثمارية. في نهاية المطاف تجد الأسواق ذات الكفاءة طريقها إلى التسعير السليم، ولكن تلك «النهاية» يمكن أن تأخذ وقتا طويلا. كما لاحظ جون مينارد كينز: «يمكن أن تبقى الأسواق غير عقلانية فترة أطول من قدرتك على البقاء في حالة الملاءة المالية».
لعل أمثلة قليلة يمكنها توضيح هذه النقطة. خلال مناقشة الحوار حول الذهب، يلاحظ مدير المال بين كارلسون ما يلي:
الذهب الآن منخفض تقريبا بنسبة 40 في المائة منذ ذروته في عام 2011، لكنه لا يزال مرتفعا تقريبا بنسبة 35 في المائة منذ عام 2000، بالرغم من أنه منذ عام 1980، على أساس تعديل الأسعار حسب التضخم، كان ثابتا بشكل أساسي. ومع ذلك، منذ أوائل السبعينيات وهو مرتفع أكثر من 7 في المائة في السنة (أو حوالي 3.4 في المائة بعد التضخم).
إذا كنت تريد أن تحصل على حوار غير صادق فكريا حول الذهب، قم ببساطة باختيار الخط الزمني الذي يدعم حجتك. إن تلك الأنواع من الحوارات أو النقاشات تلعب لمصلحة التحيز لصالح تأكيد نتيجة الآخرين. الحجة التقليدية التي تقول «كلامك صحيح، ولكن»، تستخدم بيانات صغيرة منتقاة من أجل إطالة النقاش، بينما تتجاهل الصورة كاملة وقاعدة البيانات الأشمل. إن هذا الأسلوب المخادع يكون فاعلا في كثير من الأحيان مع المستثمرين الأفراد الذين ليسوا على دراية بالعيوب الإحصائية الخاصة بمجموعات العينات المنحازة والاختبارات الداعمة المناسبة.
إن تلك النقاشات لا تساعد في اكتشاف الأسعار، وبالتأكيد لا تدعم مفهوم أي شخص عن أسعار المعادن الثمينة. لكن يمكنك أن تلتقط عددا من متابعي تويتر عبر الطريق. إذا حصل وخسروا نقودهم خلال العملية، فما عليك سوى أن تقول لهم «عذرا يا جماعة، ولكنكم تعلمون أن الأداء السابق في الماضي لا يشكل ضمانة للحاضر» وهلم جرا.
يعتبر الذهب سيئ السمعة ومسببا للتضخم الفائق بحسب حجم متابعيه الكبير، لكنني سأكون مقصرا إذا تجاهلت أولئك الذين يدافعون ويهتفون لصالح الأسهم. يمكن أن يكون سماسرة الأسهم غير صادقين فكريا تماما مثل متابعي الذهب الشرهين. يقول كارلسون مرة أخرى:
خلال الثلاث السنوات الماضية كان مؤشر ستاندرد أند بورز 500 مرتفعا لأكثر من 21 في المائة في السنة، بينما كانت عوائد الخمس السنوات تقريبا 16 في المائة سنويا. كان الوضع محتدما، لكن إذا عدنا إلى 15 عاما مضت لنتذكر كلا من فقاعة التكنولوجيا وفترة الركود العظيم، كان المؤشر فقط مرتفعا بحوالي 4.3 في المائة في السنة. إذا قمنا بتمديد أفق الزمن إلى عام 1980، كان الأداء حوالي 12 في المائة في العام. من عام 1928 إلى عام 1979، كانت العوائد والأرباح السنوية أقل بكثير، حول 8 في المائة في السنة. (وابتداء من بعد فترة الكساد العظيم)، تحسن الأداء السنوي إلى 10.7 في المائة في السنة من عام 1933 إلى عام 1979.
يمكنك بسهولة انتقاء الخط الزمني الذي يدعم موقفك الاستثماري بالشكل الأفضل.
إن تلك الأنواع من الحوارات غير الصادقة تبدو موجودة في كل مكان، حيث جعل الانترنت الأمر في غاية السهولة لأي شخص لديه جهاز حاسوب بأن يبث أية سخافة يختارها. إن أفضل اقتباس لهذا النقاش هو موعظة بنجامين فرانكلين: «تقطع الكذبة نصف رحلتها حول العالم قبل أن تتوفر الفرصة للحقيقة بالظهور». ولا ننسى بالطبع أنها أيضا من أقوال ونستون تشرتشل. وهذا هو بالضبط السبب لماذا ينبغي علينا ان نصغي لأبراهام لنكولن الذي غرَد ذات مرة بقوله: «لا تستطيع تصديق كل شيء تقرأه عبر الانترنت».
لو كان لنكولن متداولا، لقال إن هذا صحيح جدا في التمويل. كما شاهدنا منذ اسبوعين، يستطيع الفرد ارسال أي قاعدة بيانات يريدها أو يختارها من أجل تحقيق النتيجة التي يرجوها.
لكن هنا المغزى: في النهاية، حتى الحجج والنقاشات الأكثر خداعا تنهار وتنتهي. تجد الأسواق الأسعار المناسبة لها بالرغم من أن ذلك لن يكون سريعا أو متوقعا كما زعم الأنصار الأوائل لفرضية السوق ذات الكفاءة. وقد اعتقدت دائما أن عبارة «ذات الكفاءة» من الأفضل استبدالها بعبارة «النهائية»، بمعنى أن ما لدينا في النهاية هو نوع من الأسواق ستكون إلى حد ما، أو بصورة ما، أو على نحو ما، ذات كفاءة، لكن «في النهاية».
إن الحجج والنقاشات المضللة والمنافقة يجري كشف حقيقتها في النهاية، وأحيانا يعاني المدافعون عنها من ضرر في السمعة، إلا أن ذلك على الأغلب لا يحصل.
مثلا، لم يكن لدينا إعسار بمقدار 100 مليار دولار في سندات البلديات كما توقع أحد خبراء السوق، والذهب لا يساوي 5 آلاف دولار للأونصة، ومؤشر داو لم يصل إلى 36 ألف نقطة، ولم يحصل لنا تضخم جامح أو انهيار للدولار.
الجدير بالذكر أن معظم تلك الحجج السيئة تنطوي على عنصر خوف موجود في بنية الحجة. الخوف من الانهيار الاجتماعي، والخوف من فقدان الاتجاه الصاعد، والخوف من المجهول، كلها نتيجة للتحيز السلبي الملاحظ الذي يحكم العقل البشري. إنه هذا التوجه المزعج بالتركيز على الجانب السلبي المحتمل الذي يولد نفورا من المخاطرة، وهي صفة موجودة في نوعنا البشري عبر ألفيات الزمن للتأكد من أن أسلافهم قد نجوا. كل شيء يعتبر مقايضة.
النتيجة، على حد قول ثيودور ستيرجن، مؤلف روايات الخيال العلمي، هي أن 90 في المائة من كل شيء هو عبارة عن كلام فارغ. إن عبارته هي أنسب شيء يصلح لوصف المشهد المالي وما فيه من تحليلات وأقوال.