أكد المتخصص في الإدارة الاستراتيجية والأعمال العائلية الدكتور سامي الوهيبي على ضرورة وجود فلسفة خاصة لدى الشركات العائلية، تحدد من خلالها خياراتها في النمو، وتجيب على كافة الاسئلة الخاصة بــ «النمو وثمنه ونطاقه وحجمه»، هذا إذا ارادت ان تواصل نمو نشاطها واستمرار اعمالها.
جاء ذلك في محاضرة للدكتور الوهيبي بعنوان (فلسفة واستراتيجيات النمو في الشركات العائلية) اقيمت بمقر فرع غرفة الشرقية بمحافظة القطيف مساء أمس الأول الثلاثاء ولاقت حضورا كثيفا من رجال الاعمال بالمحافظة والمهتمين، وعرف الوهيبي مفهوم الأعمال العائلية بأنها تلك الأعمال التي تملكها أو تديرها أو تتحكم في قراراتها الاستراتيجية عائلة»، والقرارات الاستراتيجية تعني إدارة المنافسة وإدارة البقاء بتميز، ورسم صورة المستقبل.
مشيراً ان الشركات العائلية تشهد تداخلاً بين الكيان الاجتماعي (العائلة)، والكيان الربحي (الشركة والاستثمار) وهذا التداخل يعطي قوة لــ «الشركة»، من خلال وجود رؤية مركزة ومستمرة عبر أجيال العائلة، التي تبدي في الغالب استعدادا لدعم تلك الرؤية بأقل التكاليف، بل والتضحية من أجلها، وتحظى الشركة بدعم من أموال وافراد العائلة للنمو والمنافسة، كذلك يعطي هذا التداخل قوة لــ «العائلة» حيث تحقق من خلال هذه الشركة جملة من المكاسب منها الحفاظ على تراث وتاريخ العائلة، وتعد الشركة افضل منظومة لاستمرار العائلة عبر الأجيال، وتساهم في تعميق الروابط بين أفراد العائلة، فضلا عن أن الشركة توفر وظائف لأبناء العائلة، بالتالي فهناك ميزات عدة للشركات العائلية ينبغي الحفاظ عليها.
وشرح الوهيبي خلال المحاضرة مفاهيم «النمو والفلسفة والاستراتيجية»، فالنمو يعني الزيادة والتطور، وهو سنة كونية، لا يمكن إيقافها، فإيقافها يعني الضرر، والفلسفة هي :»المحاولة العقلانية لصياغة الأسئلة والإجابة عليها»، بينما الاستراتيجية هي «تحديد وانتقاء الخيارات الملائمة للنجاح على المستوى البعيد»، وهذه الخيارات ضرورية للتعاطي مع الوضع التنافسي، لذا لا بد ان تكون واضحة وغير متناقضة، فلا يصح على سبيل المثال أن تكون شركة تنشد الإبداع وتعمل بخيار المركزية، لافتاً ان الاستراتيجية هي الجزء المرئي لدى الشركة، بينما الفلسفة هي الجزء غير المرئي لديها، ولكل عائلة فلسفة خاصة، لا تعني بالضرورة هي الأفضل، فهمي مثل الشجر، فشجرة تنتج تمرا وأخرى تنتج تفاحا.
وانتقل الى الحديث عن فلسفة النمو في الشركات العائلية، وهو عنوان المحاضرة التي هي جزء من انشطة مركز التوطين والاستثمار بغرفة الشرقية وقال ان هناك اسئلة جوهرية للنمو، ينبغي الإجابة عليها، وهي :»لماذا ننمو، واين ننمو، وما حجم النمو، وما ثمنه؟» فمن المعروف أن الهدف من النمو هو تحقيق حاجة، والحاجات متسلسلة (حسب هرم ماسلو للاحتياجات)، فهناك الحاجات العضوية (الهواء والطعام والنوم والماء)، وحاجات الأمن (للجسد والنفس والوظيفة)، والحاجات الاجتماعية (المحبة والصداقة والانتماء)، والحاجات النفسية (الانجازات والتقدير والاحترام)، وتليها في أعلى الهرم حاجة المعنى (وهي تحقيق الذات) وهنا لا ينظر طالب الحاجة الى نفسه وإنما إلى الآخر لذلك تجده يجنح صوب العطاء والاعمال الخيرية.. هذا الترتيب الهرمي كما ينطبق على الإنسان، ينطبق على الشركة أو العائلة التي ينبغي ان تحدد موقعها في الهرم، فهي تنمو لتحقيق حاجة من هذه الحاجات، والتي تختلف من عائلة لأخرى.
والسؤال الثاني حسب المحاضر هو «اين ننمو؟» فهناك عدة كيانات تتحرك في نطاقها العائلة فهناك (العائلة، الاستثمارات، الاعمال الخيرية غير الربحية)، وكلها مجالات للنمو ينبغي ان تحدد العائلة نطاقها، فهل تتحرك العائلة لأجل العائلة فقط، أم للاستثمار، وهنا ينبغي ان تحدد الشركة العائلية أين تنمو، كما ينبغي تبعا لذلك تحديد حجم النمو، وهو سؤال ثالث ينبغي الاجابة عليه، فهناك عوائل صغيرة تريد ان تكبر، وهناك عوائل لا تريد ان تكبر.
وتطرق الى ثمن النمو وقال ان أي مكسب مقابله جهد او وقت او مال، فلا يوجد شيء بدون ثمن، عدا أن البعض يدفع الثمن وهو غير راض، وآخر يدفع بكل رضا، وقد يكون الثمن مساويا للمكسب، وقد يكون اقل، وهنا لا بد من التوازن.
وتحدث عن خيارات النمو وقال ان هناك عدة خيارات امام الشركات منها (التكامل الأفقي) أي النمو داخل الصناعة الحالية للشركة، من خلال الاستحواذ والاندماج، أو انشاء شركات جديدة (مثل مركز تجاري يفتتح له فروعا عدة، او يندمج مع مراكز أخرى مشابهة)، وهذا الخيار له ميزات وله تحديات، فهو يقلل التكلفة، ويحد من المنافسة، ويمنح الشركة قدرة تفاوضية مع العملاء والموردين، ولكنه يواجه اختلاف ثقافة الشركات المندمجة، والاضرار بحرية السوق بسبب الاندماج، فيضر المستهلك ويضطر الدولة الى التدخل.
اما الخيار الثاني للنمو فهو (التكامل العمودي للخلف) وهو الاستحواذ، أو إنشاء شركة للموردين، مثل مطعم يسيطر على شركات اللحوم او البطاطس، وهناك خيار (التكامل العمودي للأمام) وهو الاستحواذ على شركات المشترين، وكلاهما له مكاسب منها زيادة جودة المنتجات من خلال التحكم بالموردين، والتحكم في جدولة ووقت تصنيع المنتجات، لكنه ينطوي على تحديات منها زيادة هيكل التكلفة، وتغيير التقنية، اما الخيار الرابع فهو استراتيجية التنوع المتقارب وهو الدخول في صناعة جديدة لها علاقة بالصناعة الحالية لدى الشركة، مثل دخول شركة ارامكو في مجال صناعة البتروكيماويات، اما الخيار الخامس وهو استراتيجية التنوع المتباعد وهو الدخول في صناعة بعيدة وليس لها علاقة مع الصناعة الحالية للشركة، ويعتبر الخيار الأخير هو الأقل اهمية، لوجود حالة من التشتت وعدم التركيز، والتي تؤدي الى زيادة التكلفة.
وفي ختام المحاضرة كرم عضو مجلس الادارة عبدالمحسن الفرج، المحاض الدكتور سامي الوهيبي بدرع تذكارية.