في الأسبوع المنصرم وعلى أثر تعرض السيد براندنيو ليون مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا لموجة من الانتقاد الحاد، من احد أطراف الصراع في ليبيا وهو طرف أعضاء مجلس النواب وأعضاء حكومة السيد عبدالله الثني، حيث إن مندوب الحكومة الليبية في الأمم المتحدة وَصَفَ مبعوث الأمين العام بأنه تجاوز الخطوط الحمراء، وأنه يتدخل في الشأن الليبي أقول على اثر ذلك عرضت إحدى القنوات الفضائية لقاء مطولا مع الدكتور طارق متري، رئيس بعثة الدعم للأمم المتحدة السابق في ليبيا، وتحدث عن تطورات الأوضاع في ليبيا ووصف الحالة الحرجة التي تعيشها البلاد الليبية في ظل توسع نطاق الاحتراب الأهلي بين الليبيين. والسيد متري بالمناسبة أثناء فترة عمله في ليبيا تعرض لانتقاد من بعض الأطراف المتناحرة وذلك لأنه وتبعا لطبيعة عمله كان يلتقي بالجميع سياسيين وقبليين وثوارا وغيرهم. وبدون هذه اللقاءات ومع الكل عدا من يوصفون بالإرهابيين سيكون عمله ضربا من المستحيل. وكانت تثور تلك الانتقادات متهمة الأمم المتحدة ومندوب أمينها العام بأنه يمنح الشرعية لمن لا يستحقونها. الغريب أن الانتقادات الحادة واللاذعة التي توجه اليوم للدبلوماسي برناردينو ليون هي نفس الانتقادات التي كانت توجه إلى سلفه ولذات الأسباب تقريبا، وربما ذلك يشير إلى نوع خاص من الفهم لدى السياسيين الليبيين قد لا يكون دقيقا، وهو أن الأمم المتحدة تمنح أحدا الشرعية ابتداء أو تنزعها عن احد، الشرعية تأتي بالدرجة الأولى من داخل المجتمع وقواه الخاصة مهما كانت أولية. ولفت انتباهي خلال حديث السيد متري تَركيز محاوره على جزئية افتراضية ومهمة في آن مفادها، إن لم تنجح وساطة الأمم المتحدة في إقناع الليبيين بترك السلاح، فكيف ستكون طبيعة المشهد السياسي والأمني والعسكري على الأرض. إجابة السؤال كانت مركزة وتحمل في طياتها كثيرا من المضامين التي ربما تكون قادرة على تفسير الأحداث المستقبلية في صراع الليبيين على السلطة والثروة. وكانت بإيجاز أنهم أي الليبيين سيستمرون في الصراع إلى ما شاء الله. هذه الرؤية تحيل المراقب إلى مجموعة من المفاهيم أهمها، أن مبادرة الأمم المتحدة للمصالحة في ليبيا هي العمل الأبرز وان من نسمع عنه من مبادرات ودعوات للتوسط بين الليبيين ما هي إلا تحركات ثانوية ومن ذلك بعض دعوات دول الجوار كالدعوة التي يتحدث عنها البعض برعاية الجزائر. الأمر الآخر أن دعوات التدخل في ليبيا من قبل القوى الدولية وبالشكل الذي تم في العام ٢٠١١م برعاية دول رئيسية، وتنفيذ دول الاتحاد الأوروبي تعتبر مستبعدة حاليا على الأقل، وان كان هناك تدخل فربما يكون موضعيا ومحدودا وربما يستهدف فصيلا أو جماعة مقاتلة بعينها، وغالبا ما يكون التنفيذ بطريقة غير مباشرة أي تُنفذه قوات قد تكون داخلية أو في مكان ليس بعيدا عن الأراضي الليبية. العنصر الذي لم يتطرق إليه التحليل هنا هو دور القوى الليبية السياسية والعسكرية والتقليدية في اجتراح الحل ووقف إطلاق النار والجنوح للحلول السلمية. وبالنسبة للقوى السياسية والثورية في ليبيا أرجح أنها لا تزال تقف على مسافة بعيدة من القبول بحلول سياسية وربما تستمر هذه المواقف مستقبلا لعدة اعتبارات داخلية وخارجية، بقي دور القوى التقليدية في المجتمع الليبي واعني بها القبائل ومجالس الحكماء التي تنتشر هناك بشكل كبير، وتمارس دورا سلطويا على الفرد والمجموع يفوق دور الدولة في كثير من الأحيان، أزعم أن دور هذه القوى لم يستثمر بالطريقة المثلى إلى الآن، ويمكن للدول ذات العلاقة الممتدة مع الليبيين مثل مصر تحقيق نجاحات في هذا المسعى على الرغم من معرفتي الأكيدة بان القوى البشرية متداخلة في ليبيا، ويصعب التفريق الواضح بين السياسي والمدني والقبلي التقليدي، ومع ذلك لا تمنع الظروف من المحاولة وألا يبقي ذلك المسار معطلا. في ظل وجود دعوات حقيقية لوقف القتال من ذلك المبادرة التي أطلقها مجلس حكماء وأعيان قبائل سرت في ٣١ ديسمبر ٢٠١٤ والتي ركزت على حل الأزمة في منطقة الهلال النفطي بالحوار بدل الحرب، وأهم ما جاء في مبادرة سلام قبائل سرت، انسحاب القوات التابعة لفجر ليبيا إلى مصراته، وخروج القوات المواجهة لها إلى اجدابيا، وتسليم المواقع النفطية إلى الجهة المختصة، وتبادل المحتجزين من الطرفين، ووقف الحملات الإعلامية التي تؤجج الصراع. مبادرة عاقلة هذا اقل ما يقال عنها، الخوف أن يكون واقع الحال هناك قد تجاوز مثل هذه الدعوات والمبادرات.
* مستشار وباحث في الشأن الدولي