عندما يخرج السعوديون من بيوتهم وينتشرون في أرض الله الواسعة حتى في أقصر إجازاتهم، وبأعداد تتجاوز مئات الآلاف! هل نستطيع أن نقول: إن هذه سياحة فقط؟.
أم إن هناك أسبابا أخرى يمكننا أن نوجزها في مفردة واحدة هي (الانعتاق) ولكن ممَ ننعتق؟، من أنفسنا، من المجتمع، وما المجتمع إلا نحن. مجتمعنا الذي كبَّل نفسه بنفسه، وكلما وقف أمام مرآة الحياة ارتجفت أوصاله من بشاعة منظره فصار يخاف من نفسه!! فيفر هارباً إلى لندن وباريس وبيروت ودبي وقطر والبحرين. يفر وهو يسأل الله ألا يصادف هناك أخاه أو أخته مع أسرهم أو زميل عمله أو جاره، فهو لا يريد أن يراهم لأنه يريد أن يكون حراً وغير مراقب منهم، هذا رغم أنهم الرقباء الأكثر أماناً على مستوى البشر، فهم رقباء لا يضربونه لأنه ارتاد مقهى ما، ولا يعتقلونه لأنه أقام حفلاً في منزله فلم يعجب ذلك التصرف جاره فظن أنه ماجن يلهو ويعبث!!.
كل الرقباء لا يساوون شيئاً أمام الرقيب الأعلى الذي يغيب عن عقولهم جميعاً في لحظة استعلاء للطين.
ذاك يعلم انه لا ملجأ إلا إليه، إن أصاب أو أخطأ فله وحده سيتضرع ويتوب ويستغفر؛ لأن ما بينه وبين الله عامر في غفلة من عيون الآخرين. وأولئك يغيب عنهم ذلك لأنهم يعتقدون بأنهم فقط من يستطيع إعانة الناس على الشيطان، وأن منهم يبدأ جهاده ضد نفسه الأمارة بالسوء وأنهم فقط يحولون بين المرء وذنبه!!.
وهناك من استغل هذا وذاك، فارتفع منسوب الممنوعات وغرق الجميع وتصادموا، وصار الشك يتضخم حول علاقاتهم الإنسانية داخل البلاد فقط، ولهذا صاروا يدخرون كل قرش ليهربوا وليلتقطوا أنفاسهم بعيداً عن تلك المرآة التي تظهر وجوههم القبيحة. يهربون لينعتقوا في أجواء طبيعية، يخطئ فيها من يخطئ ويصيب فيها من يصيب، كما هو الحال في كل بقعة من الأرض، وكما أراد الله للبشر حين خلقهم ووضع فيهم نفساً أمارة بالسوء، وأخرى لوّامة ليخطئوا ويستغفروا، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم).
ولكن ما هو حجم الذنب وما هو قدر الخطأ؟ هذا ما نختلف فيه حتى كدنا أن نتقاتل على حق الله فينا، ونبدل ونحرف في صفات الله خوفاً من البشر، وادعاء لحمايتهم، فجاءت النتيجة معاكسة تماماً للتوقعات، ولكنها تحت غطاء مهترئ بالكاد يستر من يقفون على صفيح ساخن من التجني على النفس البشرية.
مع بداية الإجازة الحالية هناك نصف مليون سعودي خارج الوطن، وهذا الخبر على ذمة mbc، وقد لا يكون دقيقاً، وهناك مثلهم أو أقل يغادرون البلاد صباحاً ويعودون مساء الى البحرين، ربما لمشاهدة فيلم أو تناول القهوة في مكان مفتوح، كل هذه الأعداد ربما تعد نسبة بسيطة بالنسبة لعدد السكان في المملكة.