DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C
ramadan-2025
ramadan-2025
ramadan-2025

أوبرا صامتة

أوبرا صامتة

أوبرا صامتة
تتعدد الفنون التي يستعين بها الفنان بغيره لينتج إبداعاً ما كالموسيقى التي لاغنى فيها عن الآلات، والفن التشكيلي الذي لاغنى فيه عن ريشة وألوان وآلات للنحت أو غيره، ولكن هناك فنون لا يعتمد فيها إلا على القدرات الخاصة بمن يمارسها. قد نختلف أو نتفق على نوعيتها فما يعتبره بعضنا فنا قد لايكون كذلك عند آخرين. وربما يمنحونه أسماء أخرى غير الفن. وفن الأداء الشخصي هو أحد هذه الفنون الحديثة التي لا تعد من الفن التمثيلي المعروف فهو فن لا يعتمد فيه على نص ما بل يبدأ وينتهي بفكرة واحدة تطبقها منفرداً أو مع آخر يقوم بالمهمة نفسها. مارينا إبراموفيتش هي واحدة من هؤلاء الذين يرون بأن الجسم هو نقطة انطلاق لأي تطور روحي. بدأت إبراموفيتش وهي من يوغوسلافيا بعمل عروضها الخاصة بهذا الفن عام ١٩٧٠ وأنشأت فيما بعد مؤسستها الخاصة وكانت الأولى من نوعها سعياً وراء تأسيس قاعدة لهذا النوع من الفنون الانفرادية. هدفها من تلك الفنون هو استكشاف مدى الثقة أو القدرة على الاحتمال، أو التطهير الذاتي من خلال لحظات الصبر الطويلة لها أو لمن يتابعها أو يشاركها في اكتشاف نفسه حين يتجول بين مشاعره وأحداث حياته وانفعاله معها أو بتأثير منها. وهي تعتبر مؤسستها منصة للفن غير المادي الذي يتجول في النفس البشرية. شاهدت لها أداء غريباً يتطلب أن تجلس على مقعد وتضع مقعداً فارغاً أمامها لمن أراد أن يشاركها تجربة مميزة وهي الصمت والتحديق في الآخر الذي يواجهه دون أي تعبير أو حركة جلست على مقعدها بملابس محتشمة جداً ذات لون واحد فقط، وعقصت شعرها وجعلت وجهها نظيفاً خالياً من أي زينة حتى لا يشتت انتباه من يقابلها. هذه الجلسة جعلت فضول الناس يدفعهم الى التناوب في الجلوس أمامها، ولكن معظمهم فشل في الصبر والبقاء على مقعده أكثر من دقائق قليلة ليحدق فيها بصمت. ورغم أني كنت أتابع تلك الجلسة عبر الجهاز إلا أني استشعرت هيبة لحظات الصمت والتحديق في آخر لا تعرفه ولا يعرفك، فرغم ذلك الصمت إلا أن الأفكار بالتأكيد ستكون ضاجة في الرأس حول الذات أو الآخر من؟ وكيف؟ ولماذا؟ هناك صمت ظاهر وحوار صاخب في الداخل لا يسمعه إلا صاحبه! وهناك عزف صامت وغريب، وقد يكون مخيفاً وبخاصة لمن لا يألف الصمت ويتقن الإنصات له في داخله أو فيما حوله، فللصمت لغة يجهلها كثير من الناس! تلك الجلسة تمت في أحد متاحف نيويورك وسماها الناس (الأوبرا الصامتة) والغريب أن الكرسي الذي كان أمامها لم يفرغ أبداً! ومن التجارب الأخرى التي أدتها هي الجلوس لمدة ست عشرة ساعة متواصلة ظهراً لظهر مع شريكها وقد عقدت أطراف شعورهم ببعضها!!مثل هذه الفنون التي تتطلب جهداً وصبراً وقدرة على قراءة مالم يكتب هي في الحقيقة لاتناسب كثيراً من الناس فهي تشكل نوعاً من مواجهة الذات التي يهربون منها. ويفضلون أن ينشغلوا عن أرواحهم بالفنون الصاخبة الأخرى ويعيشون أثناء المتعة بها حالة هروب ما؛ لأن تركيزهم فيها يكون على غيرهم لا عليهم. ويبدو أن الشعوب العربية هي من أكثر الشعوب هروباً وقد تتعدد طرائق وأشكال ذلك الهروب بعضه يأخذ علامات الرزانة، وبعضه يبدو منحرفاً بشكل أو آخر. ولا أعرف حقيقة لماذا لا نهتم بهذا الجانب سواء كفن أو كممارسة حياتية، أحسب أنها ستكون ذات أثر فاعل على النفوس والانتاج.