مع دخول الثورة السورية عامها الخامس، ناشد رؤساء منظمات دولية عدة، قادة العالم بوضع خلافاتهم جانبًا واستخدام نفوذهم لإنهاء الحرب في سوريا، فيما اكدت الولايات المتحدة أن رحيل بشار الأسد هو شرط «لاستقرار كامل» في سوريا.
ودعت المنظمات إلى الضغط لإنهاء الهجمات العشوائية على المدنيين، ورفع الحصار المفروض منذ عدة أشهر على 212 ألف شخص، لتسهيل وصول المساعدات المنقذة للحياة إليهم، وإنهاء العقاب الجماعي للمدنيين من خلال قطع إمدادات المياه والكهرباء، وتجنب الانهيار التام لنظام التعليم.
جاء ذلك، في بيان مشترك صدر امس في جنيف، عن نائبة الأمين العام للأمم المتحدة للشئون الإنسانية فاليري آموس، والمفوض السامي لشئون اللاجئين أنطونيو جوتيريز، ومدير عام منظمة الصحة العالمية مارجريت تشان، والمدير التنفيذي لمنظمة اليونيسيف أنتوني ليك، والمدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي إرثارين كوزين، والمفوض العام لوكالة الأونروا بيار كراهنبول، وعدد من مقرري الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
وتساءل الموقّعون على البيان «عمّا يتطلّبه الأمر لإنهاء هذه الأزمة، وإنقاذ جيل بأكمله، أصبح مستقبله على المحك»، مشددين على أن «مصداقية المجتمع الدولي باتت على المحك».
وأوضحوا أن أكثر من 200 ألف شخص قتلوا في سوريا، فيما يقبع آلاف من النساء والفتيات والرجال والفتيان في مراكز الاحتجاز، تحت وطأة التعذيب والعنف الجنسي، بالتزامن مع احتياج 12.2 مليون سوري للمساعدات المنقذة للحياة، ونزوح 3.9 مليون للجوء في دول أخرى.
وعبّر البيان عن غضب وإحباط المسؤولين الدوليين، جراء استمرار هذا الصراع، مشددين على تواصل مساعيهم الحثيثة لبذل قصارى الجهود، لمساعدة كل الذين وقعوا في براثن هذه الحرب الوحشية.
من جانبها، جددت الولايات المتحدة دعوتها إلى تنحّي رئيس النظام السوري بشار الأسد، مشيدة في الذكرى الرابعة لاندلاع النزاع في سوريا بـ «شجاعة السوريين في وجه الطغيان».
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية جنيفر بساكي: «منذ 4 أعوام، يرد نظام الأسد على مطالبة السوريين بمزيد من الحرية والإصلاحات، بوحشية مستمرة وقمع وتدمير». وأضافت: «كما قلنا منذ وقت طويل، على الأسد أن يرحل ويتم استبداله عبر انتقال سياسي وتفاوضي يمثل الشعب السوري».
كما شددت المتحدثة، على أن رحيل الأسد هو شرط «لاستقرار كامل» في سوريا. وتابعت: «لمناسبة هذه الذكرى المؤلمة، نتذكر جميع من يتألمون، ونتذكر السوريين الشجعان الذين يناضلون ضد الطغيان ويقاتلون من أجل مستقبل يطبعه احترام الحقوق الأساسية والتسامح والازدهار».
يُذكر أن الثورة السورية انطلقت باحتجاجات سلمية ضد النظام السوري في منتصف مارس 2011، ثم حوّلها النظام السوري إلى نزاع مسلح بعد ردّه بالقصف والاعتقالات على التظاهرات السلمية التي خرجت، وفاقمه بروز «تنظيم داعش» في 2013. وزرع التنظيم الرعب في أماكن انتشاره، كما نجح في تجنيد الآلاف من الشبان من دول عدة.
معاناة
ويعاني العديد من السوريين المرهقين جراء العنف والمنهكين بفعل الازمة الاقتصادية، من حالات اكتئاب واضطرابات نفسية بعد أربع سنوات من حرب مدمرة.
وكشفت وزارة الصحة السورية نهاية شهر فبراير للمرة الاولى، عن حجم الضرر: فقد ازدادت الاضطرابات النفسية بنسبة 25% عما كانت عليه قبل بدء النزاع، وارتفعت محاولات الانتحار بشكل لافت، فيما يحتاج أربعون في المائة من السوريين إلى دعم نفسي واجتماعي.
ويروي اخصائي في القلب: إن سيدة سورية في الخامسة والخمسين قصدته في عيادته وسط دمشق، لتشكو معاناتها من آلام في الصدر ودقات قلب سريعة. لكن الطبيب أصرّ على أن هذه العوارض ليست مرتبطة بخلل جسدي.
ويتابع: إنها غالبت دموعها فجأة قبل أن تقول: «قُتل اثنان من أبنائي في المعارك، ابني الثالث في السجن ولا أعرف شيئا عنه».
ويشير الطبيب إلى ان اربعة من كل عشرة مرضى، يقصدون عيادته، يعانون من الاجهاد والاضطرابات النفسية، وهم في الغالب من النازحين الذين تدنى مستوى معيشتهم بسبب الحرب. ويقول: «يعانون الاكتئاب والقلق نتيجة النزاع، ويظهر ذلك احيانا من خلال عوارض جسدية».
ويتفاقم الوضع في سوريا كل يوم مع الفظاعات التي يرتكبها نظام بشار الأسد وتنظيم داعش المتطرف.
ويقدر طبيب نفسي، يستقبل المرضى في عيادته الصغيرة الواقعة في حي تجاري في دمشق، أن «عدد حالات الاكتئاب والتناظر ما بعد المرض النفسي، ارتفعت بنسبة 30%» منذ بدء النزاع عام 2011. ويلفت الى ان من عوارض هذه الحالات التوتر والقلق والكوابيس. ويؤكد الطبيب المتخصص في فرنسا، أن السوريين باتوا يعانون من «وهن» نفسي وجسدي. ويقول: «يخاف الناس من العنف ويعتريهم القلق حيال مستقبلهم».
وقد دمرت الحرب البنى التحتية في سوريا ومحت مناطق واسعة من الوجود، وعطلت الاقتصاد الذي تراجع ثلاثة عقود الى الوراء، وفقدت العملة السورية 80% من قيمتها وبات نصف السكان عاطلين عن العمل.
في حي القصاع في وسط العاصمة، يدق أحد الصيادلة جرس الانذار. مشيرا الى ارتفاع مبيعات الحبوب المنومة والادوية المضادة للقلق بنسبة 30% عما كانت عليه عام 2011.
ويقول: «يطلب أكثر من 20 زبونا هذه العقاقير يوميا، لكنني اكتفي ببيعها لاربع أو خمس حالات بناء على وصفة طبية».
في موازاة ذلك، تولي راهبات مركز الراعي الصالح الذي كان يستقبل قبل بدء الحرب ضحايا العنف الاسري، الاولوية اليوم لتقديم الدعم النفسي الى النازحين.
وتوضح منسقة برامج الدعم النفسي رشا طيري، لفرانس برس، أن الاتصالات بالمركز لمساعدة الناس المنكوبين، تضاعفت منذ عام 2011.
ويقول أبو سامر- وهو مالك متجر كبير لبيع الاثاث فرغ من زبائنه-: «نحن يائسون. عمليات القتل مستمرة، لا مازوت للتدفئة، لا كهرباء، اسعار غاز الطهي ليست بمتناولنا». ويضيف «لا أعلم ما سيكون عليه مستقبلي».
ولم تستثن الاضطرابات النفسية- وفق الطبيب النفسي- البالغين والاطفال. وتروي صباح، اربعينية، كيف أن طفلتها البالغة من العمر عامين أُصيبت في احدى المرات بما يُعرف بـ «الوسواس القهري» الذي من عوارضه؛ الشعور باستمرار بحاجة ملحة لدى المريض لنتف شعره.
وتعترف صباح، انها استعانت من جهتها بالمهدئات. وتضيف «كنا نقيم في منطقة ركن الدين (شمال دمشق). كنا نسمع اصوات القصف القوي ومداهمات الجنود. اختفت الاضطرابات عندما غيرنا مكان اقامتنا».