كلما انتقد أحد منا - وأعني (بمنا) نحن جميعاً كأفراد في المجتمع وليس الكتاب فقط - خطيباً أو داعياً أو حتى من لقبوا أنفسهم بالنشطاء الاجتماعيين صب عليه غيرهم اللعنات وأخرجوه من الملة وتقولوا عليه حتى يضعوه في درجة من يجهل الله عز وجل ورسوله والدين الإسلامي!! وكأن هذا الدين بدأ ينتشر بالأمس بيننا!! ويتحدثون بأسلوب فيه من حماقات الطفل الأرعن شيء كثير. ولا أدري هل هم فعلاً بذاك المستوى من الجهل أم أنهم يتعمدون الاستفزاز لينالوا من محدثهم؟ الحقيقة أني أرجح الأولى وأعني بها الجهل الذي صور لهم أن كل من يخالفهم سفيه لا يعرف عن دينه شيئاً!! والدليل على ذلك كثرة استخدامهم لعبارة فلان أو فلانة ينشرون الإسلام ويعيدون التوحيد!!! وكأننا هنا في بلاد الحرمين والمناهج الدينية المكثفة والتربية الإسلامية في البيت والمدرسة والشارع تحولنا إلى مشركين وكفرة والعياذ بالله لمجرد أننا خطأنا شخصاً عادياً جداً قد يكون عالماً بالدين وقد يكون مجرد شخص يلقن ماذا يقول وهما معاً بشر يخطئ منهم من يخطئ ويصيب منهم من يصيب وفيهم ممن يتنطعون (ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) وقد يكون من بين أولئك قراء للقرآن وأئمة في المساجد وخطباء يركبون موجة ادعاء نشر الإسلام فلا يتحدثون إلا عن التوحيد والشرك وأركان الإسلام الخمسة ويبتعدون كل البعد عن كثير من تفاصيل جوهر الدين وعلى رأسها الأخلاق. الأخلاق التي سول ضياعها لبعض خريجي كليات الشريعة من المقرئين والخطباء وكتاب العدل وغيرهم أن يزوروا ويشاركوا في سرقة المال العام وهذا على سبيل المثال فقط وإلا فإن الأخطاء والجرائم الأخلاقية التي ارتكبت تحت غطاء الدين والورع كثيرة كثيرة. وقد اعتبر كثير منا أن خطبة الجمعة كانت واحدة من أسباب بعدنا كمجتمع عن تلك الأخلاقيات عندما تجنب كتابها الوقوف عند موضوعات هامة، وإذا فعلوا ذلك كان مروراً سريعاً لا يكاد يذكر ولا يكاد يبين. وقد لاحظت أن كثيراً من المتابعين لخطبة الجمعة -حتى من النساء في المساجد القريبة منهن والرجال بعد حضورهم لها وتعليق الآخرين عليها حتى من المراهقين الذين لم يبلغوا العشرين من أعمارهم- يرون أنها متكررة تشبه عملاً روتينياً يقوم به أي موظف تقليدي لا يرغب في التغيير والتطور للأفضل، فهو يفضل أن يقول اليوم ما قاله بالأمس حتى لا يتكبد أي عناء ولهذا فقدت هذه الخطب خاصيتها وأثرها في النفوس. كثيراً ما يتحدث الخطباء، على سبيل المثال، عن الصلاة الفرض منها والنافلة وفاعليتها في النهي عن الفحشاء والمنكر وأثر ذلك في رفع الحسنات وخفض السيئات ولكنهم لا يبينون أنواع الفواحش والمنكرات إلا في أضيق الحدود ولا يشيرون مجرد إشارة إلى دورها في بناء الأخلاق عندما لا تكون مجرد حركات خفض وارتفاع بالجسد وكأنها منفصلة تماماً عن العقل والقلب، ويتحدثون عن الخشوع ويحصرونه في الطمأنينة الظاهرة فقط ولا يحدثوننا عن طمأنينة الأقوال والأفعال-وهي أثر ممتد للخشوع يصاحب المرء في كل مكان- وجزء من البعد عن فاحش القول والعمل الذي حصر كثيراً بوجه المرأة وفتنتها وعلاقتها بالرجل وأتساءل لماذا حصرت كتابة الخطب في الأئمة فقط؟ ولماذا حصرت أفكارها في موضوعات محددة؟ ولماذا لا يشارك كل من يملك فكراً ووعياً وقدرة على الصياغة والتعبير بأسلوب جميل في كتابة الخطبة؟ إن موضوعاً مثل إماطة الأذى عن الطريق يستحق خطبة وأكثر ولو أنهم ركزوا عليه لما وجدنا هذه الإساءات العامة للأماكن، وموضوع الأمانة يحتاج إلى مجموعة من الخطب وكذلك موضوع الحب الذي يأخذ بيد الناس للتآخي والتكافل والبناء والإيثار يحتاج مثلها وأكثر. وموضوع الهمز واللمز وأكل لحوم البشر التي صارت ميزة من مزايا خفة الدم المصطنع الممجوج!! كل هذا وغيره كثير صار نسياً منسياً حتى صارت الشرور الأخلاقية اللفظية تنتشر بيننا بصورة مروعة.
أهملت الخطب والمحاضرات التوعوية على كثرتها كثيراً من الأمور التي وردت في القرآن والسنة مما تستقيم به الحياة وتعالج كثيراً من المشكلات التي كبر حجم معاناة المجتمع منها لأننا بالتكرار قتلنا روح الإسلام وإن نطقنا بالشهادتين.