كان إعفاء وزير الصحة منتصف ليلة السبت علامة قوية وحازمة وحاسمة، تقرع الجرس أمام كل مسؤول يتهاون في أداء واجبه. وأي واجب؟! إنه الواجب الأكثر أهمية بالنسبة للمواطن وهو الذي يتعلق بصحته. وما زالت هذه الوزارة رغم كل الإمكانيات المسخرة لها تتخبط إدارياً ليس في رأس هرمها فقط، ولكن في كثير من فروعها الإدارية، مما يؤثر سلباً على الخدمات المقدمة للمواطن. والغريب أن اعتلال الإدارات الصحية انتقل من المستشفيات الحكومية إلى المستشفيات الخاصة، فصار المواطن حين يترك الحكومي ويذهب للخاص كالمستجير من الرمضاء بالنار، فالخاصة التي تحسب بعض إدارتها أنها حين تقدم خدمة فندقية شكلية تجعل المواطن ذليلاً لها وسعيداً بشكلياتها وتكسبه كلما أراد الابتعاد عن المستشفيات الحكومية!! وهذا غير صحيح فالمريض في أي مكان يريد اهتماما بالصحة بكل تفاصيلها وليس في البهرجة الشكلية. في أحد أكبر المستشفيات الخاصة التي تستخدم نباتات الزينة الممتلئة بالغبار والميكروبات وتنشرها في صالات وممرات المستشفى على الأرض والطاولات والأسقف، وهي كلها في النهاية عبء على الأصحاء، فكيف بالمرضى؟! وبالإضافة للنباتات البلاستيكية هناك طاولات خشبية من الطراز العثماني المحفور موزعة في كل مكان وستائر قماشية وغير ذلك من المظاهر الخداعة التي تتنافى مع الصحة والنظافة، وكلها من أجل أن تلزم الصمت حين تقدم لك الفاتورة، فأنت مضطر أن تشتري صحتك حين تبحث عن طبيب مميز وتجده ضمن طاقم الأطباء في بعض المستشفيات الخاصة، والحق أن بعضهم يستفيد من خدمات مجموعة من الأطباء السعوديين المميزين في تخصصات عدة. ولكن المؤسف أنك لا تجد شخصاً آخر غير الطبيب يراعيك ويهتم بحالتك الصحية. أما غيره فهو يتعامل معك كزبون يستنزفك لأقصى درجة وليته كان مقابل خدمة صحيحة.
قبل يومين حدثت عدة مواقف بيني وبين بضعة أشخاص في ذلك المستشفى الصيدلية وموظف علاقات المرضى والدكتورة التي ترأس الإدارة الطبية؛ لأنهم رفضوا إعطاء إبرة علاجية لابنتي؛ بحجة أن النظام لديهم يمنع إعطاء المريض إبرة من الخارج؛ خوفاً على صحة المريض من أن تكون الإبرة فاسدة!! وكأن الناس جميعا جهلة ولا يخافون على صحتهم أكثر من ادعائهم!! وقد شرحت للجميع أسباب وجود الإبرة معنا وكيفية محافظتنا عليها ومعرفتنا لأهمية ذلك لأننا حين اشتريناها أعلمنا بكل النصائح وقدم لنا معها قالب ثلج خاص وحقيبة حافظة، فمن المعروف أن بعض الإبر تتطلب درجة برودة معينة، ولا يمكن أن تظل خارج الثلاجة أكثر من نصف ساعة قبل أن يأخذها المريض، وهذا ما حرصنا عليه. ولكن الصيدلاني الذي يدعي حرص نظام المستشفى على المريض رفض كل ذلك؛ لأن الهدف المادي يطغى فهو يريد أن نشتري منه علبة الإبر التي يبلغ ثمنها (٥٧٠٠) وما بين نقاش هادئ واستفزاز بسبب ادعاءاتهم الباطلة بحرصهم على صحة المواطن أكثر منه، ومحاولات للاقناع بأخذ توقيعنا على ضمان صلاحيتها، باءت كل المحاولات بالفشل، وقد استغرقت وقتاً من ١:٣٠ وحتى الرابعة! وأثناء ذلك كنت أطلب وضع الإبرة في ثلاجة أي مكتب أكون بالقرب منه وعندما أردنا الخروج طلبت ثلجا لأحافظ على الإبرة أثناء العودة، فقالوا اذهبي للصيدلية فماذا كان ردهم؟ (ماعندناش، احنا بنقول لزباينا ياخدوا من كوستا)!! لاحظوا يقول: زبائننا وليس مرضانا لأن الأمر قد اختلط عليه هل يعمل في مستشفى أو بنك أو ربما بقالة لأن البنوك تسمينا عملاء وحدها البقالات تسمينا زبائن!! أبعد كل هذا الإدعاء بالحرص على صحة المواطن تبيعون الإبر للناس بدون حافظة ثلجية!! افرض أن أحدهم اشتراها وذهب للجبيل أو الأحساء!! هنا أخذت كأس الثلج وصعدت به للمديرة الطبية وكانت زيارة مكتبها هي المحطة الأخيرة في محاولة الحصول على خدمة طبية إنسانية راقية، وليتني لم أصعد، وليتني لم أقابلها، طبيبة كبيرة في السن منحت حق الإدارة الطبية لترتاح في المكتب وتدير العمل بالهاتف والورق، ولأنها وهو الأهم تحمل اسم العائلة نفسها لصاحب المستشفى فقط!! طبعاً من حقه فهو مستشفى خاص. بعد كل محاولات التعقل وضبط النفس وجدت أن أفضل شيء أفعله هو ما فعلته حقيقة بعد استفزاز دام ساعتين ونصف، لأختم الزيارة أخذت كأس الثلج من على مكتب المديرة وألقيته للصيدلي وأنا أقول: اغسلوا به ضمائركم.