بملابس تراثية وبطبلة وأهازيج شعبية يتردد صداها في شوارع وأزقة الأحياء والبلدات الشعبية بمحافظة الأحساء، نرى المسحراتي أو ما يعرف في المنطقة الشرقية بـ أبو طبيلة الذي ظلت مهنته راسخة في أذهان الكبار والصغار ممن اعتادوا عليه، يجوب الشوارع والطرقات خلال شهر رمضان يوقظ الأهالي لتناول وجبة السحور قبيل طلوع الفجر.
وترى الناس صغارًا وكبارًا يطلون من نوافذهم أو يخرجون من منازلهم وقت السَحر، لرؤيته ممسكًا بطبلته الصغيرة مرددًا بعض عبارات الدعاء، وأحيانًا الأهازيج الشعبية ليوقظ بها الناس، ومن أشهرها لا إله إلا الله محمد رسول الله وأصحى يا نايم وحّد الدايم، و السحور يا عباد الله.
موروث الأجداد
وحافظت المنطقة على موروثها حتى تحول من مهنة يقوم بها المسحراتي في زمن الأجداد إلى موروث شعبي حافظت عليها الأجيال جيلًا بعد جيل.
ومهنة أبو طبيلة من أقدم العادات الرمضانية القديمة التي اعتاد عليها الناس في الأحساء، فهو لا يترك المكان إلا بعد أن يتأكد من استيقاظ الناس بالفعل لتناول السحور ثم الاستعداد لصلاة الفجر.
المواطن أحمد بن خميس الذي يمارس مهنة المسحراتي أو أبو طبيلة ويجوب أزقة أحياء وشوارع الأحساء بشهر رمضان المبارك منذ زمن بعيد، ذكر بأنه ورث هذه المهنة عن والده، وأوعز سبب استمراره بمزاولتها هو حبه لها بوصفها جزءًا من تراث الأحساء.
الأطفال يشاركونه
من جانبه أكد المسحراتي يوسف بوحمد -من بلدة المركز-، لـواس تمسكه بالتقاليد المتوارثة، والحرص على ممارسة عمل أبو طبيلة، ويصر على أن يجوب قبيل الفجر شوارع المركز، بطبلته والأطفال من خلفه يشاركونه بأصواتهم الطفولية الباعثة على الفرح والحنين إلى الماضي الجميل، فيرسمون من حوله أجمل الصور والمشاهد بعفوية الأهالي في كل ليلة، مبيًنا أنه يقرع طبلته الموسمية منذ أكثر من 15 عاماً، بتشجيع من المجتمع.
ذكريات مع المسحراتي
قال المواطن صالح الربيعة إن ذكرياته مع المسحر تتركز في عدة مشاهد، منها أن المسحر في الزمن الماضي يجوب الأحياء في الظلام الدامس بين البيوت والنخيل والأشجار، وبصوت الطبل الذي يبدد الخوف والقلق بأهازيج جميلة مرتبطة بالشهر الفضيل، يرافقه صديقه أو ابنه الذي يرغب في أن يتوارث هذه المهنة منه، يساعده أثناء تعبه أو مرضه، وإذا مر المسحر في بيوت يعرف أهلها نجده يقف برهة ببابهم ثم يناديهم بأسمائهم وهو يقول: يا فلان اجلس للسحور.
وأضاف الربيعة رغم تطور مجتمع الأحساء إلا أن عدداً من بلداتها وقراها تتمسك بتقليد أبو طبيلة رغم قلة عددهم ، إلا أنه يمارس عمله إلى ما بعد انقضاء شهر رمضان، حيث يستمر في القرع على طبلته حتى يحل العيد فيقبل عليه الناس بالمال والهدايا والحلويات.
وأوضح الشاب حبيب الحسين أن إيقاعات ضربات طبل المسحر والعبارات التي يرددها في الأزقة والشوارع تشعره بالسعادة والحنين إلى شهر رمضان المبارك، خاصة في العشر الأواخر من الشهر الكريم.
تتغير نبرات صوته مع أجواء قرب انتهاء شهر رمضان، فيردد أهازيج الوداع وفي قلبه لوعة الفراق، مرددًا الوداع .. يالوداع .. يا شهر رمضان.. الوداع .. يالوداع .. يا شهر الصيام.
ويعيش أحمد الأحمد الجو الرمضاني المفعم بذكريات الماضي الجميل عند سماعه دقات الطبل، ويرى متعة الأطفال بهذه الأجواء التي أصبحت من التراث بعد أن كانت مهنة شعبية لها أهمية في سالف الأيام، ومدى تعلق الشباب والصائمين بهذه الشخصية التراثية الماضية الحاضرة في قلوبنا وأذهاننا.